كان قد استخلف غير علي على أكثر وأفضل مما استخلف عليه عليًا، وكان ذلك استخلافًا مقيدًا على طائفة معينة في مغيبه، ليس هو استخلافًا مطلقًا بعد موته على أمته، يعني في فرق بين إنه يستخلفه في حياته على طائفة معينة وهم الذين يتخلفوا عن غزوة تبوك سواء لعذر أو لغيره، فاستخلفه على أناس كان معظمهم النساء والصبيان والمنافقين، أو الثلاثة الذين خلفوا من الصادقين.
فأنتم أيها الروافض تستدلون باستخلافه على هذه الطائفة المقيدة بأحقيته على الخلافة على الأمة كلها، حتى إنكم ترونه ولى بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان، فيقول: فالاستخلاف في حال الحياة ليس هو استخلافًا مطلقًا بعد موته على أمته، لم يطلق على أحد من هؤلاء أنه خليفة رسول الله إلا مع التقييد.
يعني أي واحد من الذين استخلفوا سواء علي أو غيره من الصحابة الذين استخلفوا في حياة النبي لما خرج إلى الجهاد أو نحو ذلك، هذه خلافة نعم، لكن خلافة مقيدة، بفترة معينة وعلى قوم معينين، وليست خلافة مطلقة على سائر الأمة، فهنا يدحض هذه الشبه، يقول: وإذا سمي علي بذلك أنه خليفة رسول الله خلافة مقيدة في فترة معينة بسبب سفر رسول الله في حياته، فغيره من الصحابة المستخلفين أولى بهذا الاسم، يعني اعتبروا أيضًا باقي الصحابة الذين استخلفوا في مناسبات مشابه الأبلغ منها أيضًا يكونون أحق بالخلافة، فلم يكن هذا من خصائصه .
وأيضًا فالذي يخلف المطاع بعد موته لا يكون إلا أفضل الناس، وأما الذي يخلفه في حال غزوه لعدوه، فلا يجب أن يكون أفضل الناس، بل العادة جارية بأن يستصحب في خروجه لحاجته إليه في المغازي من يكون عنده أفضل ممن يستخلفه على عياله، لأن الذي ينفع في الجهاد هو شريكه فيما يفعله، فهو أعظم ممن يخلفه على العيال.
فإن نفع ذاك ليس كنفع المشارك له في الجهاد، والنبي إنما شبه عليًا بهارون في أصل الاستخلاف، يعني نفس الدليل الذي يستدلوا به على أحقية علي بالخلافة «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»، لما نرجع لسبب الحديث سنجد أنه دليل ضده، لأن عليًا شعر بأن هذا شيء يعني فيه نوع من الإحساس مؤلم.
فذهب إلى الرسول يبكي ويقول له: أتدعني مع النساء والصبيان؟ في حين إن الشيعة يفهموا أن هذا الموقف دليل على أنه أفضل الأمة وأنه يستحق الخلافة مطلقًا بعد النبي ، ويستدلون بقطعة «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»، واضح؟ وسوف نوضح ما المقصود به، لكن الشاهد هنا أن نفس هذا الحديث هو الذي يرد على الروافض، لأن عليًا بكى، وقال للرسول أتدعوني مع النساء والصبيان.
حتى أن بعض المنافقين طعنوا في علي أن الرسول استخلفه في هذه الغزوة، وقالوا إنما استخلفه لأنه يبغضه، نحن لا نستدل طبعًا بكلام المنافقين لا، نحن نركز في الرد على الرافضة في مفاهيمهم المغلوطة، والنبي إنما شبه عليًا بهارون في أصل الاستخلاف، لا في كماله، أصل الاستخلاف أنه وثق به ويأتمنه، فذلك ائتمنه على الأمة وعلى المدينة من بعد خروجه لغزوة تبوك.
ولا يعني هذا الاستخلاف، وهو أن يخلفه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، الذي هو أكمل مراحل الاستخلاف، والنبي إنما شبه عليًا بهارون في أصل الاستخلاف لا في كماله، ولعلي شركاء في هذا الاستخلاف، يبين ذلك أن موسى لما ذهب ميقات ربه لم يكن معه أحد يشاركه في ذلك، فاستخلف هارون علي جميع قومه.
والنبي لما ذهب إلى عزوة تبوك أخذ معه جميع المسلمين إلا المعذور، ولم يستخلف عليًا إلا على العيال، يعني النساء والصبيان، وقليل من الرجال، فلم يكن استخلافه كاستخلاف موسى لهارون، بل ائتمنه في حال مغيبه، كما ائتمن موسى هارون في حال مغيبه.