في لغة العرب حروف تسمى بحروف المعاني، كـ (على) و(في) و(بل)، ونحو ذلك من الحروف، التي يدل كل حرف منها على معنى رئيس، ويدل أيضاً على معان أُخر، تستفاد من سياق الكلام.
ومن هذه الحروف (كلا)، وهو حرف ردع وزجر عن مضمون كلام سابق من متكلم واحد، أو من كلام يُحكى عن متكلم آخر، أو مسموع منه، كقوله تعالى: {قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} (الشعراء:61-62).
والأكثر أن تأتي عقب آخر الكلام المبطَل بها، وقد تُقدَّم عليه؛ للاهتمام بالإبطال وتعجيله، والتشويق إلى سماع الكلام الذي سيرد بعدها، كما في قوله تعالى: {كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها لإحدى الكبر} (المدثر:32-35). ولما فيها من معنى الإبطال، كانت في معنى النفي، فهي نقيض (إي) و(أجل) ونحوهما من أحرف الجواب. والغالب أن تكون متبعة بكلام بعدها، فلا يُعهد في كلام العرب أن يقول قائل في رد كلام: (كلا) ويسكت.
وفي معناها لأهل اللغة أقوال؛ فمعناها عند سيبوبه والخليل وأكثر البصريين الردع والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك، حتى إنهم يجيزون أبداً الوقف عليها، والابتداء بما بعدها.
وذهب فريق من أهل اللغة إلى أن معناها ليس مقتصراً على الردع والزجر، وإنما تكون أيضاً بمعنى (حقاً)، و(ألا) الاستفتاحية، وتكون حرف جواب بمنزلة (إي) و(نعم)، وحملوا عليه قوله سبحانه: {كلا والقمر} فقالوا: معناه، إي والقمر.
ورجح ابن هشام أن يكون معناها -إضافة إلى معنى الردع والزجر- معنى (ألا) الاستفتاحية، وإذا صَلَحَ الموضع للردع ولغيره، جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين، والأرجح حملها على الردع؛ لأنه الغالب فيها، نحو قوله سبحانه: {أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول} (مريم:78-79)، وقوله عز وجل: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم} (81-82). وقد تتعين للردع، أو الاستفتاح، نحو قوله سبحانه: {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت * كلا إنها كلمة هو قائلها} (المؤمنون:99-100).
وقد يمتنع كونها للزجر، كقوله سبحانه: {وما هي إلا ذكرى للبشر * كلا والقمر} (المدثر:31-32) إذ ليس قبلها ما يصح رده.
وذكر ابن فارس أن (كلا) جاءت في القرآن الكريم على أربعة معان، هي:
(كلا) بمعنى الرد والإبطال
جاء على هذا المعنى قوله تعالى في قصة من قال: {لأوتين مالاً وولداً * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول} (مريم:77-79) أي: إنه لم يطلع، ولم يتخذ العهد. قال ابن فارس: "وأصوب ما يقال في ذلك: إن (كلا) رد للمعنيين جميعاً؛ وذلك أن الكافر ادعى أمراً، فكذب فيه، ثم قيل: أتراه اتخذ عهداً، أم اطلع الغيب، {كلا} أي: لا يكون ذا، ولا ذاك".
وأما قوله تعالى {ليكونا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم} (مريم:81-82) فـ {كلا} رد لما قبله، وإثبات لما بعده؛ لأنهم زعموا أن الآلهة تكون لهم عزاً؛ وذلك لقولهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر:3)، فقيل لهم: {كلا} أي: ليس الأمر كما تقولون، ثم جيء بعد بخبر، وأكد بـ {كلا} وهو قوله سبحانه: {سيكفرون بعبادتهم} (مريم:82).
ومن هذا الباب قوله سبحانه: {لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا} (المؤمنون:100) فلها مواضع ثلاثة: أولها: قوله: {ارجعون} فقيل له: {كلا} أي: لا ترد. والثاني: قوله تعالى: {أعمل صالحا}، فقيل له: {كلا} أي: لست ممن يعمل صالحاً، وهو كقوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} (الأنعام:28). والموضع الثالث: تحقيق؛ لقوله: {إنها كلمة هو قائلها} (المؤمنون:100).
أما قوله عز وجل: {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون * قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} (الشعراء:14-15) فهو رد في حالة، وردع في أخرى. فأما مكان الردع، فقوله سبحانه: {فأخاف أن يقتلون} فقيل له: {كلا} أي: لا تخف، فهذا ردع. وأما الرد فقوله في السورة نفسها: {قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} (الشعراء:61-62) فهو نفي لما قبله، وإثبات لما بعده. قال ابن عاشور: والإبطال لقوله: {فأخاف أن يقتلون} أي: لا يقتلونك. وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قال: {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون}.
وبحسب هذا المعنى قوله سبحانه: {قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا} (سبأ:27)، له ثلاثة مواضع: أحدها: أن تكون ردًّا على قوله: {أروني} أي: إنهم لا يرون ذلك، وكيف يرون شيئاً لا يكون. والموضع الثاني: قوله سبحانه: {ألحقتم به شركاء} فهو رد له، أي: لا شريك له. والثالث: أنها تحقيق؛ لقوله تعالى: {بل هو الله العزيز الحكيم} (سبأ:27). ومعنى قوله: {أروني} ههنا: أعلموني.
قراءة و تحميل كتاب العمل بالقرآن الكريم بين الترغيب والترهيب PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب البدهيات في القرآن الكريم دراسة نظرية نسخة مصورة PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب شرح مقدمة التفسير للشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب تنبيهات عقدية في تفسير هداية الرحمن باللغة الملاوية PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تدبر القرآن الكريم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب التأسيس في بيان حكم قراءة القرآن بالتنكيس PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب التبيان لما صح في فضل بعض السور وآي القرآن PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب القول المبين في الإستعاذة والبسملة وقولهم آمين PDF مجانا