أفكر الآن بأننا كنا نضحك لأمور سخيفة، ونتفوه بهذه العبارة البذيئة أو تلك، مغرورين، ساخرين، دون أن يذكر أي منا فرحة العودة للقاء من جديد أو أي شيء من هذا القبيل. فهذه هي الموضة، أليس كذلك ؟! الموضة الوطنية: ما نسميه الرصانة.
وأنا اعلم أنه تكفي معرفة أن هناك أحدًا يؤمن بك حتى تُنقذ نفسك، وأن الأمور الهامة تموت حين تُذكر بالإسم، وأنه يجب عدم الثقة بالكلمات المستنفدة بالاستخدام. أعرف هذا كله.
إنه لمن المخزي أن تنفعل ويظهر عليك الانفعال. أنا أعلم هي أشياء أقولها أنا نفسي دائمًا. ولكن بسبب الموضة الوطنية، كان آخر ما أتذكره من أفضل صديق لي شيئًا مخزيًا.
يصعب عليّ أن أتخيل كل هذا الضوء في الهواء. الهواء مفعم بالمطر، وكل شيء يسطع بنورٍ أبيض. في المدى امرأةٌ ظهرها إلى جدار تنتظرني. ابني يأتي صوبي راكضًا، وبقفزة واحدة يتسلّقني، ونغرق في عناق طويل. ضربات القلب على الصدر. ضربتان: أنا حرٌ، أنا حيّ. هذه الحاجة إلى المشي في أيّ اتجاهٍ وإلى أجل غير مسمّى، أمشي للمشي، لأنني أريد، لأنّني أرغب بالمشي. الحريه. انظرْ. عندي لك ديدان لبِّ الخبز هذه. صنعناها نحن جميعًا. المطر قادم. الغيوم الفاحمة تتدلى من السماء. هواء منتصف النهار المنتفخ. عندما تكتشف أن العالم منظم كي تقتل الأحب إليك.
دواردو غاليانو (3 سبتمبر 1940 - 13 أبريل 2015) باحث وروائي وصحفي أوروغواياني، ولد في مونتيفيديو وتُرجمت كُتبه إلى أكثر من عشرين لغة. قضى سنوات عديدة في المنفى لأسباب سياسية في إسبانيا والأرجنتين.
ساند إدواردو غاليانو الحركات المناهضة للعولمة بحضوره الفكري ومشاركته في مجلات عالمية وجرائد مثل لوموند ديبلوماتيك.
قراءة و تحميل كتاب التابوت المغلق (لغز هيركيول بوارو الجديد كليا) PDF مجانا