كتاب تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريمكتب إسلامية

كتاب تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم

مما لا مرية فيه أن المتعلمين تتفاوت درجاتهم،وأن المتعلم في رحاب جامعة إكاديمية يختلف عن المتعلم في رحاب وسيلة من وسائل الإعلام،فالأول لا يخشى عليه عند عرض المادة العلمية ـ من اختلاف المختلفين ـ إذ إنه يعلم عند التعارض والاختلاف كيف يكون الجمع أو الترجيح.؟ أما الثاني فإذا رأى اختلاف العلماء ربما أثر ذلك تأثيراً سلبياً في فكره أو عقيدته ولذلك يقول عبد الله بن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" (1) . ومن هذا المنطلق فإن أول ما يتقرر عرضه في وسائل الإعلام عن علوم القرآن هو المتفق عليه لا المختلف فيه،ولا يُعرض المختلف فيه إلا مصحوباً ببيان الوجه الجمالي في الاختلاف وأن الأمر يؤول إلى السعة في القولين إذا كان لكل منهما وجهة نظر سليمة شرعاً وعقلاً. ولاسيما أن عندنا ـ نحن المسلمين ـ ثروة من المراجع العلمية في هذا الشأن نستطيع من خلالها أن نأخذ المتفق عليه ليعرض بصورة علمية محببة لقلوب المتعلمين عبر وسائل الإعلام. وإذا كان مختلفاً فيها يُعرض القول الراجح بأدلته وكفى مع التنبيه على ذلك. 1ـ فهذا كتاب (البرهان في علوم القرآن) للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي يقول في خطبته (( لما كانت علوم القرآن لا تحصى، ومعانيه لا تستقصى وجبت العناية به بالقدر الممكن،ومما فات المتقدمين وضع كتاب (1) رواه مسلم في مقدمة الصحيح ص 10 وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ج 1 ص 134 يشتمل على أنواع علومه فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه، وخاضوا في نكته وعيونه، وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما بهر القلوب عجباً ليكون مفتاحاً لأبوابه عنواناً على كتابه، معيناً للمفسر على حقائقه،مطلعاً على بعض أسراره ودقائقه وسميته (البرهان في علوم القرآن) (1) ا. هـ‍ ويحوي سبعة وأربعين نوعاً من علوم القرآن. 2- وعليه بنى الإمام السيوطي كتابه (الإتقان في علوم القرآن) إذ يقول في مقدمته ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سروراً، وحمدت الله كثيراً، وقوي العزم على إبراز ما أضمرته ……الخ وزاد فيه السيوطي أنواعاً أخرى حتى أوصل كتابه إلى ثمانين نوعاً. والذي يعنينا في هذا المقام هو تحديث الأسلوب في دراسة علوم القرآن فنجد أمامنا كتاب: (مناهل العرفان في علوم القرآن) للشيخ الدكتور/ محمد عبد العظيم الزرقاني فقد جَلَّى هذا العلم وأظهره وجدد أسلوبه وهو جيد في الاعتماد عليه مرجعاً لإعداد البحوث الخاصة بالبرامج الإعلامية وإن كان في بعض الأحيان عالي الأسلوب إلا أن هذه مهمة العلماء المتخصصين في علوم القرآن أن يبسطوا أسلوبه ويجعلوه في متناول السامعين والمشاهدين والمتابعين على الإنترنت. ونأخذ منه نموذجاً عن (فوائد معرفة أسباب النزول) (1) الزركشي، البرهان في علوم القرآن (المقدمة) ط. التراث العربي بمصر فوائد معرفة أسباب النزول زعم بعض الناس أنه لا فائدة للإلمام بأسباب النزول، وأنها لا تعدو أن تكون تاريخاً للنزول أو جاريةً مجرى التاريخ، وقد أخطأ فيما زعم؛ فإن لأسباب النزول فوائد متعددة، لا فائدة واحدة: (الأولى) معرفة حكمة الله تعالى على التعيين، فيما شرعه بالتنزيل، وفي ذلك نفع للمؤمن وغير المؤمن. أما المؤمن فيزداد إيماناً على إيمانه، ويحرص كل الحرص على تنفيذ أحكام الله والعمل بكتابه لما يتجلى له من المصالح والمزايا التي نيطت بهذه الأحكام ومن أجلها جاء هذا التنزيل. وأما الكافر فتسوقه تلك الحكم الباهرة إلى الإيمان إن كان منصفاً، حين يعلم أن هذا التشريع الإسلامي قام على رعاية مصالح الإنسان، لا على الاستبداد والتحكم والطغيان، خصوصاً إذا لاحظ سيرَ ذلك التشريع وتدرجه في موضوع واحد وحسبك شاهداً على هذا تحريم الخمر وما نزل فيه. (الفائدة الثانية) الاستعانة على فهم الآية ودفع الإشكال عنها حتى لقد قال الواحدي: لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصّتها وبيان نزولها وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب اهـ‍. ولنبين لك ذلك بأمثلة ثلاثة: (الأول) قال تعالى في سورة البقرة: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة: 115) فهذا اللفظ الكريم يدل بظاهره على أن للإنسان أن يصلى إلى أية جهة شاء، ولا يجب عليه أن يولي وجهه شطر البيت الحرام، لا في سفر ولا حضر. لكن إذا علم أن هذه الآية نازلة في نافلة السفر خاصة، أو فيمن صلى باجتهاده ثم بان له خطؤه، تبين له أن الظاهر غير مراد، إنما المراد التخفيف على خصوص المسافر في صلاة النافلة أو على المجتهد في القبلة إذا صلى وتبين له خطؤه. عن ابن عمر رضى الله عنهما أن هذه الآية نزلت في صلاة المسافر على الراحلة أينما توجهت. وقيل: عميتُ القبلة على قوم فصلوا إلى أنحاء مختلفة، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم فعذروا.وقيل في الآية غير ذلك، ولكن ما ذكرناه يكفيك. (المثال الثاني) روى في الصحيح أن مروان بن الحكم أشكل عليه معنى قوله تعالى { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران: 188) وقال لئن كان امرؤ فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون. وبقى في إشكاله هذا حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه أي طلبوا منه أن يحمدهم على ما فعلوا. وهنالك زال الإشكال عنه، وفهم مراد الله من كلامه هذا ووعيده. (المثال الثالث) أشكل على عروة بن الزبير رضي الله عنه أن يفهم فرضية السعي بين الصفا والمروة مع قوله سبحانه: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } (البقرة: 158) . وإشكاله نشأ من أن الآية الكريمة نفت الجناح، ونفي الجناح لا يتفق والفرضية في رأيه، وبقى في إشكاله هذا حتى سأل خالته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فأفهمتهُ أن نفي الجناح هنا ليس نفياً للفرضيةِ، إنما هو نفي لما وقر في أذهان المسلمين يومئذٍ من أن السعي بين الصفا والمروة من عمل الجاهلية نظراً إلى أن الصفا كان عليه صنم يقال له (إساف) وكان على المروة صنم يقال له: (نائلة) وكان المشركون إذا سعوا بينهم تمسحوا بهما. فلما ظهر الإسلام وكسر الأصنام تحرج المسلمون أن يطوفوا بينهما لذلك، فنزلت الآية، كذلك جاءت بعض الروايات. لكن جاء في رواية صحيح البخاري ما نصه: فقال (أي عروة) لها (أي لعائشة) أرأيت قول الله تعالى { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } : فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة: قالت: بئسما قلت يا بن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت (لا جُناح عليه ألا يطوف بهما) ولكنها أنزلت في الأنصار،كانوا قبل أن يسُلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان بعضهم يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة. فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } الآية قالت عائشة "وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما" انتهى ما أردنا نقله ومعنى يهلون: يحجون ومناة الطاغية: اسم صنم وكان صخرة نصبها عمرو بن لحىٍ بجهة البحر فكانوا يعبدونها. والمشلل بضم الميم واللام الأولى مشددة مفتوحة: اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر. وقديد بضم القاف: قرية بين مكة والمدينة المنورة وكلمة (سن) معناها في هذا الحديث شرع أو فرض بدليل من السنة لا من الكتاب. هذه الرواية – كما ترى – تدل على أن عروة فهم من جملة (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) أن الجناح منفي أيضا عن عدم الطواف بهما وعلى ذلك تنتفي الفرضية، وكأنه اعتمد في فهمه هذا على أن نفى الجناح، أكثر ما يستعمل في الأمر المباح. أما عائشة رضي الله عنها فقد فهمت أن فرضية السعي بين الصفا والمروة مستفادة من السنة، وأن جملة (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) .لا تُنافي تلك الفرضية كما فهم عروة إنما الذي ينفيها أن يقال (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما وإنما توجه نفي الحرج في الآية عن الطواف بين الصفا والمروة لأن هذا الحرج هو الذي كان واقراً في أذهان الأنصار، كما يدل عليه سبب نزول الآية الذي ذكرته السيدة عائشة فتدبر.
سعيد بن أحمد شريدح - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم ❝ الناشرين : ❞ مجمع الملك فهد ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : مما لا مرية فيه أن المتعلمين تتفاوت درجاتهم،وأن المتعلم في رحاب جامعة إكاديمية يختلف عن المتعلم في رحاب وسيلة من وسائل الإعلام،فالأول لا يخشى عليه عند عرض المادة العلمية ـ من اختلاف المختلفين ـ إذ إنه يعلم عند التعارض والاختلاف كيف يكون الجمع أو الترجيح.؟

أما الثاني فإذا رأى اختلاف العلماء ربما أثر ذلك تأثيراً سلبياً في فكره أو عقيدته ولذلك يقول عبد الله بن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" (1) .

ومن هذا المنطلق فإن أول ما يتقرر عرضه في وسائل الإعلام عن علوم القرآن هو المتفق عليه لا المختلف فيه،ولا يُعرض المختلف فيه إلا مصحوباً ببيان الوجه الجمالي في الاختلاف وأن الأمر يؤول إلى السعة في القولين إذا كان لكل منهما وجهة نظر سليمة شرعاً وعقلاً.

ولاسيما أن عندنا ـ نحن المسلمين ـ ثروة من المراجع العلمية في هذا الشأن نستطيع من خلالها أن نأخذ المتفق عليه ليعرض بصورة علمية محببة لقلوب المتعلمين عبر وسائل الإعلام. وإذا كان مختلفاً فيها يُعرض القول الراجح بأدلته وكفى مع التنبيه على ذلك.

1ـ فهذا كتاب (البرهان في علوم القرآن) للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي يقول في خطبته (( لما كانت علوم القرآن لا تحصى، ومعانيه لا تستقصى وجبت العناية به بالقدر الممكن،ومما فات المتقدمين وضع كتاب

(1) رواه مسلم في مقدمة الصحيح ص 10 وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ج 1 ص 134


يشتمل على أنواع علومه فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه، وخاضوا في نكته وعيونه، وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما بهر القلوب عجباً ليكون مفتاحاً لأبوابه عنواناً على كتابه، معيناً للمفسر على حقائقه،مطلعاً على بعض أسراره ودقائقه وسميته (البرهان في علوم القرآن) (1) ا. هـ‍ ويحوي سبعة وأربعين نوعاً من علوم القرآن.

2- وعليه بنى الإمام السيوطي كتابه (الإتقان في علوم القرآن) إذ يقول في مقدمته ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سروراً، وحمدت الله كثيراً، وقوي العزم على إبراز ما أضمرته ……الخ

وزاد فيه السيوطي أنواعاً أخرى حتى أوصل كتابه إلى ثمانين نوعاً.

والذي يعنينا في هذا المقام هو تحديث الأسلوب في دراسة علوم القرآن فنجد أمامنا كتاب: (مناهل العرفان في علوم القرآن) للشيخ الدكتور/ محمد عبد العظيم الزرقاني فقد جَلَّى هذا العلم وأظهره وجدد أسلوبه وهو جيد في الاعتماد عليه مرجعاً لإعداد البحوث الخاصة بالبرامج الإعلامية وإن كان في بعض الأحيان عالي الأسلوب إلا أن هذه مهمة العلماء المتخصصين في علوم القرآن أن يبسطوا أسلوبه ويجعلوه في متناول السامعين والمشاهدين والمتابعين على الإنترنت.

ونأخذ منه نموذجاً عن (فوائد معرفة أسباب النزول)

(1) الزركشي، البرهان في علوم القرآن (المقدمة) ط. التراث العربي بمصر


فوائد معرفة أسباب النزول
زعم بعض الناس أنه لا فائدة للإلمام بأسباب النزول، وأنها لا تعدو أن تكون تاريخاً للنزول أو جاريةً مجرى التاريخ، وقد أخطأ فيما زعم؛ فإن لأسباب النزول فوائد متعددة، لا فائدة واحدة: (الأولى) معرفة حكمة الله تعالى على التعيين، فيما شرعه بالتنزيل، وفي ذلك نفع للمؤمن وغير المؤمن. أما المؤمن فيزداد إيماناً على إيمانه، ويحرص كل الحرص على تنفيذ أحكام الله والعمل بكتابه لما يتجلى له من المصالح والمزايا التي نيطت بهذه الأحكام ومن أجلها جاء هذا التنزيل. وأما الكافر فتسوقه تلك الحكم الباهرة إلى الإيمان إن كان منصفاً، حين يعلم أن هذا التشريع الإسلامي قام على رعاية مصالح الإنسان، لا على الاستبداد والتحكم والطغيان، خصوصاً إذا لاحظ سيرَ ذلك التشريع وتدرجه في موضوع واحد وحسبك شاهداً على هذا تحريم الخمر وما نزل فيه.

(الفائدة الثانية) الاستعانة على فهم الآية ودفع الإشكال عنها حتى لقد قال الواحدي: لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصّتها وبيان نزولها وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب اهـ‍.

ولنبين لك ذلك بأمثلة ثلاثة: (الأول) قال تعالى في سورة البقرة: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة: 115) فهذا اللفظ الكريم يدل بظاهره على أن للإنسان أن يصلى إلى أية جهة شاء، ولا يجب عليه أن يولي وجهه شطر البيت الحرام، لا في سفر ولا حضر. لكن إذا علم أن هذه الآية نازلة في نافلة السفر خاصة، أو فيمن صلى


باجتهاده ثم بان له خطؤه، تبين له أن الظاهر غير مراد، إنما المراد التخفيف على خصوص المسافر في صلاة النافلة أو على المجتهد في القبلة إذا صلى وتبين له خطؤه. عن ابن عمر رضى الله عنهما أن هذه الآية نزلت في صلاة المسافر على الراحلة أينما توجهت. وقيل: عميتُ القبلة على قوم فصلوا إلى أنحاء مختلفة، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم فعذروا.وقيل في الآية غير ذلك، ولكن ما ذكرناه يكفيك.

(المثال الثاني) روى في الصحيح أن مروان بن الحكم أشكل عليه معنى قوله تعالى { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران: 188)

وقال لئن كان امرؤ فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون. وبقى في إشكاله هذا حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه أي طلبوا منه أن يحمدهم على ما فعلوا. وهنالك زال الإشكال عنه، وفهم مراد الله من كلامه هذا ووعيده.

(المثال الثالث) أشكل على عروة بن الزبير رضي الله عنه أن يفهم فرضية السعي بين الصفا والمروة مع قوله سبحانه: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } (البقرة: 158) .

وإشكاله نشأ من أن الآية الكريمة نفت الجناح، ونفي الجناح لا يتفق والفرضية في رأيه، وبقى في إشكاله هذا حتى سأل خالته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فأفهمتهُ أن نفي الجناح هنا ليس نفياً للفرضيةِ، إنما هو نفي لما


وقر في أذهان المسلمين يومئذٍ من أن السعي بين الصفا والمروة من عمل الجاهلية نظراً إلى أن الصفا كان عليه صنم يقال له (إساف) وكان على المروة صنم يقال له: (نائلة) وكان المشركون إذا سعوا بينهم تمسحوا بهما. فلما ظهر الإسلام وكسر الأصنام تحرج المسلمون أن يطوفوا بينهما لذلك، فنزلت الآية، كذلك جاءت بعض الروايات.

لكن جاء في رواية صحيح البخاري ما نصه: فقال (أي عروة) لها (أي لعائشة) أرأيت قول الله تعالى { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } : فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة: قالت: بئسما قلت يا بن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت (لا جُناح عليه ألا يطوف بهما) ولكنها أنزلت في الأنصار،كانوا قبل أن يسُلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان بعضهم يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة. فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } الآية قالت عائشة "وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما" انتهى ما أردنا نقله ومعنى يهلون: يحجون ومناة الطاغية: اسم صنم وكان صخرة نصبها عمرو بن لحىٍ بجهة البحر فكانوا يعبدونها. والمشلل بضم الميم واللام الأولى مشددة مفتوحة: اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر. وقديد بضم القاف: قرية بين مكة والمدينة المنورة وكلمة (سن) معناها في هذا الحديث شرع أو فرض بدليل من السنة لا من الكتاب.


هذه الرواية – كما ترى – تدل على أن عروة فهم من جملة (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) أن الجناح منفي أيضا عن عدم الطواف بهما وعلى ذلك تنتفي الفرضية، وكأنه اعتمد في فهمه هذا على أن نفى الجناح، أكثر ما يستعمل في الأمر المباح. أما عائشة رضي الله عنها فقد فهمت أن فرضية السعي بين الصفا والمروة مستفادة من السنة، وأن جملة (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) .لا تُنافي تلك الفرضية كما فهم عروة إنما الذي ينفيها أن يقال (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما وإنما توجه نفي الحرج في الآية عن الطواف بين الصفا والمروة لأن هذا الحرج هو الذي كان واقراً في أذهان الأنصار، كما يدل عليه سبب نزول الآية الذي ذكرته السيدة عائشة فتدبر.

للكاتب/المؤلف : سعيد بن أحمد شريدح .
دار النشر : مجمع الملك فهد .
عدد مرات التحميل : 15295 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأحد , 20 مارس 2016م.
حجم الكتاب عند التحميل : 944.5 كيلوبايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم من علوم القرآن تحميل مباشر :
الكتاب
(نسخة للشاملة)

تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم من علوم القرآن 

 تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم
 المؤلف: سعيد بن أحمد شريدح
 الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

المحتويات :

مقدمة 

تمهيد 

الفصل الأول: القرآن الكريم مصدر الهداية 

أولا: من فضائل القرآن الكريم 

ثانيا: من آداب تلاوته 

ثالثا: اشتمال القرآن والسنة المبينة له على أهم طرق التعليم التربوي 

رابعا: أهداف تعليم القرآن الكريم وعلومه بمدارس التحفيظ 

الفصل الثاني: تقويم طرق تعليم القرآن الكريم وعلومه بمدارس التحفيظ 

حفظ القرآن 

التلاوة 

التجويد 

القراءات القرآنية 

التفسير 

علوم القرآن الكريم 

خاتمة وتوصية 

مصادر ومراجع

تحميل وقراءة وتصفح أولاين مباشر بدون روابط كتاب  تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم pdf 



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم
سعيد بن أحمد شريدح
سعيد بن أحمد شريدح
Saeed bin Ahmed Sheridh
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ تقويم طرق تعليم القرآن وعلومه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم ❝ الناشرين : ❞ مجمع الملك فهد ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب علوم القرآن

عناية المسلمين بالوقف خدمة للقرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب عناية المسلمين بالوقف خدمة للقرآن الكريم PDF مجانا

التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين/ للأمين PDF

قراءة و تحميل كتاب التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين/ للأمين PDF مجانا

وقفة مع بعض الترجمات الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب وقفة مع بعض الترجمات الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم PDF مجانا

تقويم حفظ القرآن الكريم وتعليمه في حلقات جمعيات تحفيظ القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب تقويم حفظ القرآن الكريم وتعليمه في حلقات جمعيات تحفيظ القرآن الكريم PDF مجانا

تقويم أساليب تعليم القرآن الكريم وعلومه في وسائل الإعلام PDF

قراءة و تحميل كتاب تقويم أساليب تعليم القرآن الكريم وعلومه في وسائل الإعلام PDF مجانا

المقومات الشخصية لمعلم القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب المقومات الشخصية لمعلم القرآن الكريم PDF مجانا

معاجم مفردات القرآن (موازنات ومقترحات) PDF

قراءة و تحميل كتاب معاجم مفردات القرآن (موازنات ومقترحات) PDF مجانا

معاجم معاني ألفاظ القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب معاجم معاني ألفاظ القرآن الكريم PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..