فارس... شاب ملتزم إلى حدٍ ما، خلوق وذو روحٍ مرحه. لا يملك إلا والدته وإخوته سلمى ومالك، وهو من يعولهم فهو الكبير بينهم..
اختفى والده منذُ زمن عندما كان لا يزالُ في الثانيةِ عشر من عمره، ومنذُ ذلكَ الحين هو من يعيل عائلته، ولكنه لم يهمل تعليمه؛ فقد كانت والدته تبني عليه آمال كبيرة لن تتحقق إلا بتعليمه، وقد كانت نِعمَ الأم الصابرة.
هو مهندس في الخامسة والعشرون من عمره، اتجه إلى إحدى البلدات؛ ليقوم بتنفيذ أحد المشاريع لصالح الشركة التي يعمل بها. وقد تم إختياره نظرًا لإجتهاده ومثابرته فهو (النملة النشيطة) في تلك الشركة التي تمتلئ بأصحاب البطون الممتلئة... لا أقول ذلك بسبب شكله أو لأني أشير إلى جسده النحيل، ولكنه بالفعل كان نشيطًا ومثابرًا.
"فارس بخِفة:
حسنًا لتدخلي إلى صُلب الموضوع مباشرة لا داعٍ للمقدمات، مع أنكِ لم تذكري شيء عن وسامتي ولكن لا بأس".
حسنًا... بذهابه إلى البلدة لم يكن يعلم بأنه يتجه إلى قدره المحتوم، ولم يكن يعلم بأن حياته ستنقلب رأسًا على عقب، وأن تصيبه تلك اللعنة... هل أفصحُ عنها يا فارس؟
"فارس:
لا دعيها ليكتشفها القارئ بنفسه.. لا تذكريني بتلك الأيام بالله عليكِ"
لا يا عزيزي.. نحنُ هنا لنتذكر... هيا لتتذكر معي....
______________________
أرخى جفونه بتعب، يعيد رأسه للخلف مستندًا على مقعد السيارة... تنفس بعمق يحاول ضبط اعصابه التي تكاد تفلت... منذ متى كان عصبيًا! طوال عمره مسالم وصبور، ولكنه يشعر الآن برغبةٍ عارمة في الصراخ... ليس ذنبه أن كل شيء من حوله يحثه على فعل ذلك..
منذ أن خرج من منزله متجهًا إلى مصيره المجهول والمشاكل تقذف عليه من كل جانب...
بدأت بكسر زجاج سيارته الخلفي بسبب عراك حدث عندما توقف عند إشارة المرور، ولم يكن بمقدوره إلا كتم غيظه، فكيف سيأتي بحقه إن كان المتخاصمان هما اثنان ممن يقودون بلده حاليًا! فمن المفترض أنهم هم من يعيدوا له حقه، فكيف سوف يقتصون له من أنفسهم! يالَ سخريةِ القدر.. أولئك الجرذان القذرة، سيأتي اليوم الذي سيذهبون فيه إلى الأبد...
زجاج سيارته كان مقدمة لكل الحوادث التي أشرفت عليه منذ خروجه حتى وصوله... لحظة، هو لم يصل بعد لا زال هُنالكَ الكثير... وهاهي مركبته تعلن استسلامها وتقف دون أدنى سبب.. ربما أنهكتها كل تلك المصائب التي تداهمهما بين كلِ حين.. ولا يظن فارس أنها الأخيرة..
هل نسيت والدته أن تدعوا له اليوم أم ماذا؟ لقد سمعها بنفسه وهي تودعه وتدعو له بالتوفيق.. إذًا هذا ليس السبب؛ فوالدته راضيةٌ عنه. ماذا إذًا!؟
نظر للأمام ليشاهد تلك القرية التي بدأت تلوح له في الآفاق من بعيد... إذًا هذه هي السبب، هل هناك ما سيحدث أسوأ مما حدث؟
منذ تفكيره أن يأتي إلى هنا ليقدم مشروعه ويلقي نظرة على المكان قبل وصول العمال.. منذ ذلك اليوم ولا شيء يسير على ما يرام...
زفرَ بضيقٍ وهو يستغفر مبعدًا تلك الأفكار عن رأسه، عليه أن يتفاءل، اجل، عليه أن يفعل …
خرج من السيارة ليستدير وهو يتنفس بعمق محاولًا تصفية ذهنه؛ ليرى ما الذي حل بعزيزته ويقوم باصلاحها.
سرعان ما توسعت عيناه بذهول وهو يتحسس وجهه الذي تبلل بالمياه الملوثة الراكدة في الطريق إثر مرور سيارة مسرعة جعلت من مظهره المرتب آخرًا يُشعر المرء بالاشمئزاز ..
كتم غيظه بصعوبةٍ وهو ينظر إلى أثر تلك السيارة بحدة.. المشكلة ليست هنا بل إن أحد ركاب تلك السيارة أطل برأسه من النافذة ونظر إليه باستهزاء وكان يضحك عليه بشماتة....
هكذا إذًا.. هذه هي البداية... بصعوبة أمسك لسانه عن إطلاق ذلك اللفظ النابي الذي كان سوف يطلقه عليه لوهلة، وقد شعر بدمائه تغلي من جديد ليردد في سره (حسبي الله ونعم الوكيل).
انحنى يمد يده من النافذة ليلتقط منديل وقارورة المياة المعدنية؛ ليقوم بتنظيف وجهه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه...
ثم مد يده بعدها إلى الراديو عندما تذكر بأن اليوم هو يوم الجمعة لينتشر في السيارة صوت ذلك القارئ (فارس عباد) قارئه المفضل والذي لا يكف عن سماع القرآن بصوته... صوته الذي يشعره بالراحة والاسترخاء، فسبحان من وهبه تلك الحنجرة.
مر الوقت وهو يحاول إصلاح سيارته واخيرًا وبعد عناء استطاع إصلاحها... نظر إلى يديه المتسخة بحنق، فكيف سيزيل هذه الزيت! ستبقى رائحته ولن تزول، ولوهلة شعر بالحماس وهو يفتح صندوق السيارة ليرى أمامه حقيبة صغيرة كان قد تناسى امرها،
التقطها وبدأ يفرغ محتواها حتى وصل إلى تلك العلبة متوسطة الحجم والتي لم يكن بداخلها إلا صابون الجسم الذي وضعته شقيقته له عنوة..
شقيقته تلك المهووسة بالنظافة، سخر منها في ذلك اليوم ولم يكترث بما وضعت من منظفات بل وانها وضعت مسحوق الغسيل ذو رائحة عطرة.. لا لحظة، هذا لا يهم.. المهم أن ما فعلته قد نفعه اليوم ....
صعد إلى السيارة ثانيةً وهو ينظر إلى ملابسه بحسرة... عندما يعود ستصاب شقيقته بنوبه هلع وهي ترى كل هذا الكم الهائل من الأوساخ التي تنتشر على ملابسه التي فشل في تنظيفها... كيف سيقابل الناس هنا بحق الله؟!
زفر بضيق وهو يستغفر في سره ويواصل المسير نحو تلك البلدة، وهناك ألف شعور يجتاحه لا يعلم سببه هل هو خوف من القادم...؟ أيُ خوفٍ هذا! هو دائمًا يسافر، هذا هو عمله من الأساس.. والدته وشقيقته بخير ولن يحدث لهم شيء، ماذا إذًا؟ لمَ كل هذا التشاؤم؟
ياترى ما الذي ينتظره هناك؟؟؟؟؟؟
___________________
لحظة هناك اقتباس صغير من القادم...
"نظر إليهم بعدم فهم وهو يحاول أن يشرح لهم شيء ولكنهم لا يستطيعون استيعابه.. كيف يتواصل معهم هؤلاء... هم لا يفهمونه ولا يريدون ذلك.. لم يكونوا هكذا عند دخوله تلك البلدة.. كانوا على النقيض تمامًا ما الذي غيرهم فجأة؟
توسعت عيناه بذهول وهو يراهم يخرجون من صندوق سيارته العزيزة شيء جعل عيناه تتوسع بصدمه وهو يهتف بعدم تصديق:
ويحك سلمى هل وضعتي هذه أيضًا…! ألم نتفق على مساحيق الغسيل فحسب؟
لم يكن ذلك الشيء إلا فتاة!! كيف يخرجون شيء كهذا من سيارته؟! أم أنها أنجبت.! سبحان الذي يخرج الحي من الميت"
______________________ إيمان مارش - من كتب الروايات والقصص - مكتبة القصص والروايات والمجلّات.
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
وصف الكتاب : فارس... شاب ملتزم إلى حدٍ ما، خلوق وذو روحٍ مرحه. لا يملك إلا والدته وإخوته سلمى ومالك، وهو من يعولهم فهو الكبير بينهم..
اختفى والده منذُ زمن عندما كان لا يزالُ في الثانيةِ عشر من عمره، ومنذُ ذلكَ الحين هو من يعيل عائلته، ولكنه لم يهمل تعليمه؛ فقد كانت والدته تبني عليه آمال كبيرة لن تتحقق إلا بتعليمه، وقد كانت نِعمَ الأم الصابرة.
هو مهندس في الخامسة والعشرون من عمره، اتجه إلى إحدى البلدات؛ ليقوم بتنفيذ أحد المشاريع لصالح الشركة التي يعمل بها. وقد تم إختياره نظرًا لإجتهاده ومثابرته فهو (النملة النشيطة) في تلك الشركة التي تمتلئ بأصحاب البطون الممتلئة... لا أقول ذلك بسبب شكله أو لأني أشير إلى جسده النحيل، ولكنه بالفعل كان نشيطًا ومثابرًا.
"فارس بخِفة:
حسنًا لتدخلي إلى صُلب الموضوع مباشرة لا داعٍ للمقدمات، مع أنكِ لم تذكري شيء عن وسامتي ولكن لا بأس".
حسنًا... بذهابه إلى البلدة لم يكن يعلم بأنه يتجه إلى قدره المحتوم، ولم يكن يعلم بأن حياته ستنقلب رأسًا على عقب، وأن تصيبه تلك اللعنة... هل أفصحُ عنها يا فارس؟
"فارس:
لا دعيها ليكتشفها القارئ بنفسه.. لا تذكريني بتلك الأيام بالله عليكِ"
لا يا عزيزي.. نحنُ هنا لنتذكر... هيا لتتذكر معي....
______________________
أرخى جفونه بتعب، يعيد رأسه للخلف مستندًا على مقعد السيارة... تنفس بعمق يحاول ضبط اعصابه التي تكاد تفلت... منذ متى كان عصبيًا! طوال عمره مسالم وصبور، ولكنه يشعر الآن برغبةٍ عارمة في الصراخ... ليس ذنبه أن كل شيء من حوله يحثه على فعل ذلك..
منذ أن خرج من منزله متجهًا إلى مصيره المجهول والمشاكل تقذف عليه من كل جانب...
بدأت بكسر زجاج سيارته الخلفي بسبب عراك حدث عندما توقف عند إشارة المرور، ولم يكن بمقدوره إلا كتم غيظه، فكيف سيأتي بحقه إن كان المتخاصمان هما اثنان ممن يقودون بلده حاليًا! فمن المفترض أنهم هم من يعيدوا له حقه، فكيف سوف يقتصون له من أنفسهم! يالَ سخريةِ القدر.. أولئك الجرذان القذرة، سيأتي اليوم الذي سيذهبون فيه إلى الأبد...
زجاج سيارته كان مقدمة لكل الحوادث التي أشرفت عليه منذ خروجه حتى وصوله... لحظة، هو لم يصل بعد لا زال هُنالكَ الكثير... وهاهي مركبته تعلن استسلامها وتقف دون أدنى سبب.. ربما أنهكتها كل تلك المصائب التي تداهمهما بين كلِ حين.. ولا يظن فارس أنها الأخيرة..
هل نسيت والدته أن تدعوا له اليوم أم ماذا؟ لقد سمعها بنفسه وهي تودعه وتدعو له بالتوفيق.. إذًا هذا ليس السبب؛ فوالدته راضيةٌ عنه. ماذا إذًا!؟
نظر للأمام ليشاهد تلك القرية التي بدأت تلوح له في الآفاق من بعيد... إذًا هذه هي السبب، هل هناك ما سيحدث أسوأ مما حدث؟
منذ تفكيره أن يأتي إلى هنا ليقدم مشروعه ويلقي نظرة على المكان قبل وصول العمال.. منذ ذلك اليوم ولا شيء يسير على ما يرام...
زفرَ بضيقٍ وهو يستغفر مبعدًا تلك الأفكار عن رأسه، عليه أن يتفاءل، اجل، عليه أن يفعل …
خرج من السيارة ليستدير وهو يتنفس بعمق محاولًا تصفية ذهنه؛ ليرى ما الذي حل بعزيزته ويقوم باصلاحها.
سرعان ما توسعت عيناه بذهول وهو يتحسس وجهه الذي تبلل بالمياه الملوثة الراكدة في الطريق إثر مرور سيارة مسرعة جعلت من مظهره المرتب آخرًا يُشعر المرء بالاشمئزاز ..
كتم غيظه بصعوبةٍ وهو ينظر إلى أثر تلك السيارة بحدة.. المشكلة ليست هنا بل إن أحد ركاب تلك السيارة أطل برأسه من النافذة ونظر إليه باستهزاء وكان يضحك عليه بشماتة....
هكذا إذًا.. هذه هي البداية... بصعوبة أمسك لسانه عن إطلاق ذلك اللفظ النابي الذي كان سوف يطلقه عليه لوهلة، وقد شعر بدمائه تغلي من جديد ليردد في سره (حسبي الله ونعم الوكيل).
انحنى يمد يده من النافذة ليلتقط منديل وقارورة المياة المعدنية؛ ليقوم بتنظيف وجهه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه...
ثم مد يده بعدها إلى الراديو عندما تذكر بأن اليوم هو يوم الجمعة لينتشر في السيارة صوت ذلك القارئ (فارس عباد) قارئه المفضل والذي لا يكف عن سماع القرآن بصوته... صوته الذي يشعره بالراحة والاسترخاء، فسبحان من وهبه تلك الحنجرة.
مر الوقت وهو يحاول إصلاح سيارته واخيرًا وبعد عناء استطاع إصلاحها... نظر إلى يديه المتسخة بحنق، فكيف سيزيل هذه الزيت! ستبقى رائحته ولن تزول، ولوهلة شعر بالحماس وهو يفتح صندوق السيارة ليرى أمامه حقيبة صغيرة كان قد تناسى امرها،
التقطها وبدأ يفرغ محتواها حتى وصل إلى تلك العلبة متوسطة الحجم والتي لم يكن بداخلها إلا صابون الجسم الذي وضعته شقيقته له عنوة..
شقيقته تلك المهووسة بالنظافة، سخر منها في ذلك اليوم ولم يكترث بما وضعت من منظفات بل وانها وضعت مسحوق الغسيل ذو رائحة عطرة.. لا لحظة، هذا لا يهم.. المهم أن ما فعلته قد نفعه اليوم ....
صعد إلى السيارة ثانيةً وهو ينظر إلى ملابسه بحسرة... عندما يعود ستصاب شقيقته بنوبه هلع وهي ترى كل هذا الكم الهائل من الأوساخ التي تنتشر على ملابسه التي فشل في تنظيفها... كيف سيقابل الناس هنا بحق الله؟!
زفر بضيق وهو يستغفر في سره ويواصل المسير نحو تلك البلدة، وهناك ألف شعور يجتاحه لا يعلم سببه هل هو خوف من القادم...؟ أيُ خوفٍ هذا! هو دائمًا يسافر، هذا هو عمله من الأساس.. والدته وشقيقته بخير ولن يحدث لهم شيء، ماذا إذًا؟ لمَ كل هذا التشاؤم؟
ياترى ما الذي ينتظره هناك؟؟؟؟؟؟
___________________
لحظة هناك اقتباس صغير من القادم...
"نظر إليهم بعدم فهم وهو يحاول أن يشرح لهم شيء ولكنهم لا يستطيعون استيعابه.. كيف يتواصل معهم هؤلاء... هم لا يفهمونه ولا يريدون ذلك.. لم يكونوا هكذا عند دخوله تلك البلدة.. كانوا على النقيض تمامًا ما الذي غيرهم فجأة؟
توسعت عيناه بذهول وهو يراهم يخرجون من صندوق سيارته العزيزة شيء جعل عيناه تتوسع بصدمه وهو يهتف بعدم تصديق:
ويحك سلمى هل وضعتي هذه أيضًا…! ألم نتفق على مساحيق الغسيل فحسب؟
لم يكن ذلك الشيء إلا فتاة!! كيف يخرجون شيء كهذا من سيارته؟! أم أنها أنجبت.! سبحان الذي يخرج الحي من الميت"
______________________ للكاتب/المؤلف : إيمان مارش . دار النشر : جميع الحقوق محفوظة للمؤلف . سنة النشر : 2024م / 1445هـ . عدد مرات التحميل : 119 مرّة / مرات. تم اضافته في : الأحد , 26 يناير 2025م.
تعليقات ومناقشات حول الكتاب:
ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:
مهلاً ! قبل تحميل الكتاب .. يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf يمكن تحميلة من هنا 'تحميل البرنامج'
نوع الكتاب : PDF. اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا: