قراءة: غازي الذيبة
متاز لغة البليك بانثيالها وقبضها على التفاصيل، وطاقتها على الثورية، انه باحث مجد في عروق المعنى، يصوغ شخوصه كما لو انه يعمل على حياكة سجادة فارهة، وينهض في نصه الروائي، داخل عوالم مسكونة بلحظات انسانية لا تتكرر إلا في الاحلام والوقائع الضالة. في رواية دنيا عدي التي، تسرد عالما متخيلا.. مستوحى من حكاية ابن الرئيس العراقي صدام حسين، يجرنا البليك بغلظة متناهية، نحو طقوس الموت والخراب التي تعتمل في الذات المتعالية، المشدودة إلى سوبر ما نيتها الكاذبة. وفي قصة عدي، مادة درامية ووثائقية عالية التشويق، لكن الروائي هنا، ينحاز إلى ما تبتكره المخيلة من احداثيات تزيح النص عن الواقع وتجعله يتمكن من مغالبة الواقع، بقراءة موازية له، قراءة تستنهض كل ما يمكن للمخيلة ان تعمل عليه في هذا المنحى، مسببا لقارئه صدمة مهولة حين يكتشف من خلال بطل الرواية المصاب بمرض السلطة، قوة الجفاء الانساني والقسوة التي يمكن للبشر ان يحملوها بين اضلاعهم، متورطين في صوغها كنصل، كل من يقترب منه يجب ان يسيل منه الدم. تتقاطع الشخوص والمصائر في «دنيا عدي» بين الراوي والشخصية الرئيسية بمتوازية تنهل من السيرة الذاتية للروائي ومن سيرة عدي ذاته، وكأنه يحيلنا هنا إلى مساحة من القراءة التجريبية التي تبحث وتكتشف ذوات بشر منهكين.. ممزقين يبحثون عن مصائرهم دون جدوى في دنيا عدي.
يكتب في فصل «شبح عالم قديم»
أمر غريب ان تقودني الاشياء لغير ما تخيلت في بداياتها، كان عدي صدام حسين ينظر لي شزرا من نافذة مربعة بإطار أزرق في القصر، يقول لي:
ـ ما الذي جاء بك إلى هنا أيها المجنون؟
ـ عائد لبلدي، ما شأنك، هل نسيت أصدقاء الطفولة؟
كان عليّ ان احتمل قدري فانا كباحث عن المعنى، يجب ان أكون مشحونا بروح المغامرة، انه سهم يخترقك لن تستطيع ان تعانده
ارتشفت القهوة أراقب الوجع في داخلي، كانت بطارية الكمبيوتر المحمول قد استغرقت في النوم، ايقظتها ببطارية سيارتي الجيب، نظرت ورائي فرأيت أمي، ليلى البكري، سلمت عليّ، ضحكت وهي تراقب الرهق في عيني الموثقتين بزمان الجرح، رأتني أصلي وسط العواصف، أتراجع للوراء، ابدأ في مراجعة الخرائط المتناثرة على الأرض أمامي، استعدادا لمعركة حامية في الليل. أدرت مذياع الراديو، كانت اذاعة الـ «بي.بي.سي» تقول «معارك ضارية تدور الآن في بغداد»، وأذاعت خبرا آخر يقول بان فرنسا سترسل مبعوثا اليوم للقاء مع كولن باول في واشنطن حول احتمالات دخولها في الحرب. حتى تلك اللحظة لم يكن الدمار قد جاء، لم يكن احد ما يتوقع ان بلدي سيتحول مع مولد الصبح الجديد لمدينة تحت النار، وان نهاية التاريخ على طريقة مغايرة لفرانسيس فوكوياما تولد الآن، إنها تولد بعجلة وببطء، احيانا يتراجع الزمن وفي أحيان أخرى يتقدم للوراء.
كان معي في المكتب إلى جواري، زميلي في العمل، البريطاني ستيفن هكر المولود سنة 1964 في مقاطعة صغيرة في اركنساس بالولايات المتحدة الأميركية. بريطاني قح بعقل أميركي استهلاكي، كبير الحجم كساندويتشات البرغر، يفكر بطريقة واحدة رأسه يشبه البوصلة التي دائما ما تشير لاتجاه واحد، لا تخطئ، لكن بوصلة ستيفن ستخطئ عندما احلم في الليل، عندما اخرج من زمن التاريخ، عندما ينتهي التاريخ يغلق في خزانة الله.
قلت له: «من أين يأتون بالأخبار؟
ضحك وقال لي: «ربما ينسجونها من خيالهم وهم جالسون في مكاتبهم يحتسون القهوة مثلنا».
حدثته عن تقرير خرج في الصفحة الأولى اليوم، في صحيفة صباحية:
«جنين مستنسخ، مشوه، ملوث بحمى الخوف»
سألني: «لماذا يخافون؟»
لم استطع ان اجيب عليه لان النار كانت قد حاصرت كل شيء، كانت النهاية تتسارع بأنباء متضاربة في كل مكان، كان بوش يحذر في إحدى الاذاعات الأميركة من غضب جم قادم.
قراءة: غازي الذيبة
متاز لغة البليك بانثيالها وقبضها على التفاصيل، وطاقتها على الثورية، انه باحث مجد في عروق المعنى، يصوغ شخوصه كما لو انه يعمل على حياكة سجادة فارهة، وينهض في نصه الروائي، داخل عوالم مسكونة بلحظات انسانية لا تتكرر إلا في الاحلام والوقائع الضالة. في رواية دنيا عدي التي، تسرد عالما متخيلا.. مستوحى من حكاية ابن الرئيس العراقي صدام حسين، يجرنا البليك بغلظة متناهية، نحو طقوس الموت والخراب التي تعتمل في الذات المتعالية، المشدودة إلى سوبر ما نيتها الكاذبة. وفي قصة عدي، مادة درامية ووثائقية عالية التشويق، لكن الروائي هنا، ينحاز إلى ما تبتكره المخيلة من احداثيات تزيح النص عن الواقع وتجعله يتمكن من مغالبة الواقع، بقراءة موازية له، قراءة تستنهض كل ما يمكن للمخيلة ان تعمل عليه في هذا المنحى، مسببا لقارئه صدمة مهولة حين يكتشف من خلال بطل الرواية المصاب بمرض السلطة، قوة الجفاء الانساني والقسوة التي يمكن للبشر ان يحملوها بين اضلاعهم، متورطين في صوغها كنصل، كل من يقترب منه يجب ان يسيل منه الدم. تتقاطع الشخوص والمصائر في «دنيا عدي» بين الراوي والشخصية الرئيسية بمتوازية تنهل من السيرة الذاتية للروائي ومن سيرة عدي ذاته، وكأنه يحيلنا هنا إلى مساحة من القراءة التجريبية التي تبحث وتكتشف ذوات بشر منهكين.. ممزقين يبحثون عن مصائرهم دون جدوى في دنيا عدي.
يكتب في فصل «شبح عالم قديم»
أمر غريب ان تقودني الاشياء لغير ما تخيلت في بداياتها، كان عدي صدام حسين ينظر لي شزرا من نافذة مربعة بإطار أزرق في القصر، يقول لي:
ـ ما الذي جاء بك إلى هنا أيها المجنون؟
ـ عائد لبلدي، ما شأنك، هل نسيت أصدقاء الطفولة؟
كان عليّ ان احتمل قدري فانا كباحث عن المعنى، يجب ان أكون مشحونا بروح المغامرة، انه سهم يخترقك لن تستطيع ان تعانده
ارتشفت القهوة أراقب الوجع في داخلي، كانت بطارية الكمبيوتر المحمول قد استغرقت في النوم، ايقظتها ببطارية سيارتي الجيب، نظرت ورائي فرأيت أمي، ليلى البكري، سلمت عليّ، ضحكت وهي تراقب الرهق في عيني الموثقتين بزمان الجرح، رأتني أصلي وسط العواصف، أتراجع للوراء، ابدأ في مراجعة الخرائط المتناثرة على الأرض أمامي، استعدادا لمعركة حامية في الليل. أدرت مذياع الراديو، كانت اذاعة الـ «بي.بي.سي» تقول «معارك ضارية تدور الآن في بغداد»، وأذاعت خبرا آخر يقول بان فرنسا سترسل مبعوثا اليوم للقاء مع كولن باول في واشنطن حول احتمالات دخولها في الحرب. حتى تلك اللحظة لم يكن الدمار قد جاء، لم يكن احد ما يتوقع ان بلدي سيتحول مع مولد الصبح الجديد لمدينة تحت النار، وان نهاية التاريخ على طريقة مغايرة لفرانسيس فوكوياما تولد الآن، إنها تولد بعجلة وببطء، احيانا يتراجع الزمن وفي أحيان أخرى يتقدم للوراء.
كان معي في المكتب إلى جواري، زميلي في العمل، البريطاني ستيفن هكر المولود سنة 1964 في مقاطعة صغيرة في اركنساس بالولايات المتحدة الأميركية. بريطاني قح بعقل أميركي استهلاكي، كبير الحجم كساندويتشات البرغر، يفكر بطريقة واحدة رأسه يشبه البوصلة التي دائما ما تشير لاتجاه واحد، لا تخطئ، لكن بوصلة ستيفن ستخطئ عندما احلم في الليل، عندما اخرج من زمن التاريخ، عندما ينتهي التاريخ يغلق في خزانة الله.
قلت له: «من أين يأتون بالأخبار؟
ضحك وقال لي: «ربما ينسجونها من خيالهم وهم جالسون في مكاتبهم يحتسون القهوة مثلنا».
حدثته عن تقرير خرج في الصفحة الأولى اليوم، في صحيفة صباحية:
«جنين مستنسخ، مشوه، ملوث بحمى الخوف»
سألني: «لماذا يخافون؟»
لم استطع ان اجيب عليه لان النار كانت قد حاصرت كل شيء، كانت النهاية تتسارع بأنباء متضاربة في كل مكان، كان بوش يحذر في إحدى الاذاعات الأميركة من غضب جم قادم.