كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليهكتب التاريخ

كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليه

نبذة عن الكتاب : يعتبر كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليه من المراجع الهامة والقيمة لدى المهتمين بدراسة الشخصيات والعلماء؛ حيث يندرج كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليه ضمن نطاق كتب الشخصيات والأعلام والعلماء والفروع وثيقة الصلة ولاسيما التراجم وعلوم التاريخ والفكر الاجتماعي. محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني الأسد آبادي (1838 – 1897)، أحد أعلام التجديد في عصر النهضة العربية والإسلامية الحديثة. منشأه ولد جمال الدین سنة 1839م / 1254 هـ وهناك خلاف في محل ولادته قيل أنه ولد في "أسد آباد (إيران)" و قيل أنه ولد في أسد آباد (أفغانستان) وهو ما تؤكده أسرة الأفغاني نفسه والدراسات الأكاديمية ، ووالده السيد صفتر من السادة الحسينية، ويرتقي نسبه إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الافغانی. يؤكد مصطفى جواد أن جمال الدين الأفغاني يعتبر من أهم الشخصيات الأفغانية المؤثرة وقد ظهر للمرة الأولى شاباً سواحاً يجعل من الشرق كله وطناً له فيزور بلاد العرب ومصر وتركية ويقيم في الأفغان وهند وفارس ويسافر إلى كثير من عواصم أوروبا. وقد تربى دينياً ليكون مسلماً صوفياً، ولكن عُرف كونه من المسلمين الأصولين، متوافقاً مع الأفكار السائدة التي تقف حاجزاً أمام سلطة الفكرة والشخص أمام الجماهير، المنحازة للعاطفة الدينية. وقد حدث خلاف شديد بين الكثير من المؤرخين والكتاب حول الدولة التي ينتمى إليها جمال الدين الأفغاني، وأوثقها انتمائه "للأفغان" وهو ما اثبته محمد عمارة بالعديد من الاثباتات ونفيه للإدعاء القائل بشيعية جمال الدين الأفغاني. كانت لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان، لنسبها الشريف، ولمقامها الاجتماعي والسياسي إذ كانت لها الإمارة والسيادة على جزء من البلاد الأفغانية، تستقل بالحكم فيه، إلى أن نزع الإمارة منها دوست محمد خان أمير الأفغان وقتئذ، وأمر بنقل والد السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابل، وانتقل الأفغاني بانتقال أبيه إليها، وهو بعد في الثامنة من عمره، فعني أبوه بتربيته وتعليمه، على ما جرت به عادة الأمراء والعلماء في بلاده. كانت مخايل الذكاء، وقوة الفطرة، وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه، فتعلم اللغة العربية، واللغة الأفغانية، وتلقى علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات فاستوفى حظه من هذه العلوم، على أيدي أساتذة من أهل تلك البلاد، على الطريقة المألوفة في الكتب الإسلامية المشهورة، واستكمل الغاية من دروسه وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوروبية وتعلم اللغة الإنجليزية، فنضج فكره، واتسعت مداركه. وكان بطبعه ميالاً إلى الرحلات، واستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج، فاغتنم هذه الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتى وافى مكة المكرمة في سنة 1857 م - 1273 هـ، وأدى الفريضة. بداية حياته العملية ثم عاد إلى بلاد الأفغان، وانتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هراة، إحدى مدن الأفغان، وليس يخفى أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة، واقتحام المخاطر، ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية، التي امتاز بها جمال الدين، وهي الشجاعة، فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والإقدام، وخاصة إذا كان بفطرته شجاعاً. ففي نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف على أخلاقه، والعناصر التي تكونت منها شخصيتة، فقد نشأ كما رأيت من بيت مجيد، ازدان بالشرف واعتز بالإمارة، والسيادة، والحكم، زمناً ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضاً فيم اكتسبه من الأخلاق الحربية، فالوراثة والنشأة، والتربية، والمرحلة الأولى في الحياة العملية، ترسم لنا جانباً من شخصية جمال الدين الأفغاني. سار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح "هراة"، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان سنة 1864م - 1280 هـ. ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد واخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضَمَّ السيد جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة، لما توسمه فيه من الخير. أستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول، وكان بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير، ولكن الحرب الداخلية، مالبثت أن تجددت، إذ كان شير علي لا يفتأ يسعى لاسترجاع سلطته، وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم، فأيدوه ونصروه، ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم، وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون الأمير محمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات، كما يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده وانتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم، وغلبه شير علي، وخلص له الملك. بقي السيد جمال الدين في كابل لم يمسسه الأمير بسوء، احتراماً لعشيرته وخوف انتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي، وهنا أيضاً تبدو لك مكانة الأفغاني، ومنزلته بين قومه، وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة، ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام، والتطلع إلى جلائل الأعمال، فهو يناصر أميراً يتوسم فيه الخير، ويعمل على تثبيته في الإمارة، ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول، ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه، ويغلب على أمر الأمير، ويلوذ بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه، ثم يموت بها، أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة، ولايهاب بطش الأمير المنتصر، ولايتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه، ولاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع، بل بقي عظيماً في محنته، ثابتاً في هزيمته، وتلك ظواهر عظمة النفس، ورباطة الجأش، وقوة الجنان. وهذه المرحلة كان لها أثرها في الاتجاه السياسي للسيد جمال الدين، فقد رأى مابذلته السياسة الإنجليزية لتفريق الكلمة، ودس الدسائس في بلاد الأفغان، وإشعال نار الفتن الداخلية بها، واصطناعها الأولياء من بين أمرائها، ولا مراء في أن هذه الأحداث قد كشفت له عن مطامع الإنجليز، وأساليبهم في الدس والتفريق، وغرست في فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية خاصة، والمطامع الاستعمارية الأوروبية عامة، وقد لازمه هذا الكره طوال حياته، وكان له مبدأ راسخاً يصدر عنه في أعماله وآرائه وحركاته السياسية.
محمد عمارة - هو مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى 16 يونيو 2015. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ ثورة 25 يناير وكسر حاجز الخوف ❝ ❞ الغزو الفكري وهم أم حقيقة؟ ❝ ❞ تحرير المرأة بين الغرب والاسلام ❝ ❞ شبهات حول القرآن الكريم ❝ ❞ الحضارات العالمية: تدافع أم صراع؟ ❝ ❞ تقرير علمي تعليقا على كتاب: مستعدين للمجاوبة لسمير مرقس الممنوع في مصر ❝ ❞ الإسلام والأقليات: الماضي، والحاضر، والمستقبل ❝ ❞ هذا هو الإسلام: الدين والحضارة، عوامل امتياز الإسلام - شهادة غربية ❝ ❞ في المسألة القبطية حقائق وأوهام ❝ الناشرين : ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار الكتب والوثائق القومية ❝ ❞ دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ❝ ❞ مكتبة الشروق الدولية ❝ ❞ دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الامام البخاري ❝ ❞ مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار العلوم ❝ ❞ دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ مركز الإعلام العربي ❝ ❞ مركز دراسات العالم الاسلامى ❝ ❞ دار الوحدة ❝ ❱
من كتب التاريخ الإسلامي - مكتبة كتب التاريخ.

وصف الكتاب : نبذة عن الكتاب :

يعتبر كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليه من المراجع الهامة والقيمة لدى المهتمين بدراسة الشخصيات والعلماء؛ حيث يندرج كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليه ضمن نطاق كتب الشخصيات والأعلام والعلماء والفروع وثيقة الصلة ولاسيما التراجم وعلوم التاريخ والفكر الاجتماعي.


محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني الأسد آبادي (1838 – 1897)، أحد أعلام التجديد في عصر النهضة العربية والإسلامية الحديثة.

منشأه
ولد جمال الدین سنة 1839م / 1254 هـ وهناك خلاف في محل ولادته قيل أنه ولد في "أسد آباد (إيران)" و قيل أنه ولد في أسد آباد (أفغانستان) وهو ما تؤكده أسرة الأفغاني نفسه والدراسات الأكاديمية ، ووالده السيد صفتر من السادة الحسينية، ويرتقي نسبه إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الافغانی. يؤكد مصطفى جواد أن جمال الدين الأفغاني يعتبر من أهم الشخصيات الأفغانية المؤثرة وقد ظهر للمرة الأولى شاباً سواحاً يجعل من الشرق كله وطناً له فيزور بلاد العرب ومصر وتركية ويقيم في الأفغان وهند وفارس ويسافر إلى كثير من عواصم أوروبا. وقد تربى دينياً ليكون مسلماً صوفياً، ولكن عُرف كونه من المسلمين الأصولين، متوافقاً مع الأفكار السائدة التي تقف حاجزاً أمام سلطة الفكرة والشخص أمام الجماهير، المنحازة للعاطفة الدينية. وقد حدث خلاف شديد بين الكثير من المؤرخين والكتاب حول الدولة التي ينتمى إليها جمال الدين الأفغاني، وأوثقها انتمائه "للأفغان" وهو ما اثبته محمد عمارة بالعديد من الاثباتات ونفيه للإدعاء القائل بشيعية جمال الدين الأفغاني.

كانت لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان، لنسبها الشريف، ولمقامها الاجتماعي والسياسي إذ كانت لها الإمارة والسيادة على جزء من البلاد الأفغانية، تستقل بالحكم فيه، إلى أن نزع الإمارة منها دوست محمد خان أمير الأفغان وقتئذ، وأمر بنقل والد السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابل، وانتقل الأفغاني بانتقال أبيه إليها، وهو بعد في الثامنة من عمره، فعني أبوه بتربيته وتعليمه، على ما جرت به عادة الأمراء والعلماء في بلاده.

كانت مخايل الذكاء، وقوة الفطرة، وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه، فتعلم اللغة العربية، واللغة الأفغانية، وتلقى علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات فاستوفى حظه من هذه العلوم، على أيدي أساتذة من أهل تلك البلاد، على الطريقة المألوفة في الكتب الإسلامية المشهورة، واستكمل الغاية من دروسه وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوروبية وتعلم اللغة الإنجليزية، فنضج فكره، واتسعت مداركه. وكان بطبعه ميالاً إلى الرحلات، واستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج، فاغتنم هذه الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتى وافى مكة المكرمة في سنة 1857 م - 1273 هـ، وأدى الفريضة.

بداية حياته العملية
ثم عاد إلى بلاد الأفغان، وانتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هراة، إحدى مدن الأفغان، وليس يخفى أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة، واقتحام المخاطر، ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية، التي امتاز بها جمال الدين، وهي الشجاعة، فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والإقدام، وخاصة إذا كان بفطرته شجاعاً.

ففي نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف على أخلاقه، والعناصر التي تكونت منها شخصيتة، فقد نشأ كما رأيت من بيت مجيد، ازدان بالشرف واعتز بالإمارة، والسيادة، والحكم، زمناً ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضاً فيم اكتسبه من الأخلاق الحربية، فالوراثة والنشأة، والتربية، والمرحلة الأولى في الحياة العملية، ترسم لنا جانباً من شخصية جمال الدين الأفغاني.

سار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح "هراة"، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان سنة 1864م - 1280 هـ.

ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد واخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضَمَّ السيد جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة، لما توسمه فيه من الخير. أستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول، وكان بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير، ولكن الحرب الداخلية، مالبثت أن تجددت، إذ كان شير علي لا يفتأ يسعى لاسترجاع سلطته، وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم، فأيدوه ونصروه، ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم، وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون الأمير محمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات، كما يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده وانتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم، وغلبه شير علي، وخلص له الملك.

بقي السيد جمال الدين في كابل لم يمسسه الأمير بسوء، احتراماً لعشيرته وخوف انتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي، وهنا أيضاً تبدو لك مكانة الأفغاني، ومنزلته بين قومه، وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة، ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام، والتطلع إلى جلائل الأعمال، فهو يناصر أميراً يتوسم فيه الخير، ويعمل على تثبيته في الإمارة، ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول، ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه، ويغلب على أمر الأمير، ويلوذ بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه، ثم يموت بها، أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة، ولايهاب بطش الأمير المنتصر، ولايتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه، ولاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع، بل بقي عظيماً في محنته، ثابتاً في هزيمته، وتلك ظواهر عظمة النفس، ورباطة الجأش، وقوة الجنان.

وهذه المرحلة كان لها أثرها في الاتجاه السياسي للسيد جمال الدين، فقد رأى مابذلته السياسة الإنجليزية لتفريق الكلمة، ودس الدسائس في بلاد الأفغان، وإشعال نار الفتن الداخلية بها، واصطناعها الأولياء من بين أمرائها، ولا مراء في أن هذه الأحداث قد كشفت له عن مطامع الإنجليز، وأساليبهم في الدس والتفريق، وغرست في فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية خاصة، والمطامع الاستعمارية الأوروبية عامة، وقد لازمه هذا الكره طوال حياته، وكان له مبدأ راسخاً يصدر عنه في أعماله وآرائه وحركاته السياسية.

للكاتب/المؤلف : محمد عمارة .
دار النشر : دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان .
سنة النشر : 1984م / 1404هـ .
عدد مرات التحميل : 1370 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الجمعة , 18 مارس 2016م.
حجم الكتاب عند التحميل : 7.9 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

نبذة عن الكتاب :

يعتبر كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليه من المراجع الهامة والقيمة لدى المهتمين بدراسة الشخصيات والعلماء؛ حيث يندرج كتاب جمال الدين الأفغاني المفترى عليه ضمن نطاق كتب الشخصيات والأعلام والعلماء والفروع وثيقة الصلة ولاسيما التراجم وعلوم التاريخ والفكر الاجتماعي. 


محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني الأسد آبادي (1838 – 1897)، أحد أعلام التجديد في عصر النهضة العربية والإسلامية الحديثة.

منشأه
ولد جمال الدین سنة 1839م / 1254 هـ وهناك خلاف في محل ولادته قيل أنه ولد في "أسد آباد (إيران)"  و قيل أنه ولد في أسد آباد (أفغانستان) وهو ما تؤكده أسرة الأفغاني نفسه والدراسات الأكاديمية ، ووالده السيد صفتر من السادة الحسينية، ويرتقي نسبه إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الافغانی. يؤكد مصطفى جواد أن جمال الدين الأفغاني يعتبر من أهم الشخصيات الأفغانية المؤثرة وقد ظهر للمرة الأولى شاباً سواحاً يجعل من الشرق كله وطناً له فيزور بلاد العرب ومصر وتركية ويقيم في الأفغان وهند وفارس ويسافر إلى كثير من عواصم أوروبا. وقد تربى دينياً ليكون مسلماً صوفياً، ولكن عُرف كونه من المسلمين الأصولين، متوافقاً مع الأفكار السائدة التي تقف حاجزاً أمام سلطة الفكرة والشخص أمام الجماهير، المنحازة للعاطفة الدينية. وقد حدث خلاف شديد بين الكثير من المؤرخين والكتاب حول الدولة التي ينتمى إليها جمال الدين الأفغاني، وأوثقها انتمائه "للأفغان" وهو ما اثبته محمد عمارة بالعديد من الاثباتات ونفيه للإدعاء القائل بشيعية جمال الدين الأفغاني.

كانت لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان، لنسبها الشريف، ولمقامها الاجتماعي والسياسي إذ كانت لها الإمارة والسيادة على جزء من البلاد الأفغانية، تستقل بالحكم فيه، إلى أن نزع الإمارة منها دوست محمد خان أمير الأفغان وقتئذ، وأمر بنقل والد السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابل، وانتقل الأفغاني بانتقال أبيه إليها، وهو بعد في الثامنة من عمره، فعني أبوه بتربيته وتعليمه، على ما جرت به عادة الأمراء والعلماء في بلاده.

كانت مخايل الذكاء، وقوة الفطرة، وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه، فتعلم اللغة العربية، واللغة الأفغانية، وتلقى علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات فاستوفى حظه من هذه العلوم، على أيدي أساتذة من أهل تلك البلاد، على الطريقة المألوفة في الكتب الإسلامية المشهورة، واستكمل الغاية من دروسه وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوروبية وتعلم اللغة الإنجليزية، فنضج فكره، واتسعت مداركه. وكان بطبعه ميالاً إلى الرحلات، واستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج، فاغتنم هذه الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتى وافى مكة المكرمة في سنة 1857 م - 1273 هـ، وأدى الفريضة.

بداية حياته العملية
ثم عاد إلى بلاد الأفغان، وانتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هراة، إحدى مدن الأفغان، وليس يخفى أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة، واقتحام المخاطر، ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية، التي امتاز بها جمال الدين، وهي الشجاعة، فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والإقدام، وخاصة إذا كان بفطرته شجاعاً.

ففي نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف على أخلاقه، والعناصر التي تكونت منها شخصيتة، فقد نشأ كما رأيت من بيت مجيد، ازدان بالشرف واعتز بالإمارة، والسيادة، والحكم، زمناً ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضاً فيم اكتسبه من الأخلاق الحربية، فالوراثة والنشأة، والتربية، والمرحلة الأولى في الحياة العملية، ترسم لنا جانباً من شخصية جمال الدين الأفغاني.

سار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح "هراة"، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان سنة 1864م - 1280 هـ.

ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد واخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضَمَّ السيد جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة، لما توسمه فيه من الخير. أستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول، وكان بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير، ولكن الحرب الداخلية، مالبثت أن تجددت، إذ كان شير علي لا يفتأ يسعى لاسترجاع سلطته، وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم، فأيدوه ونصروه، ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم، وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون الأمير محمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات، كما يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده وانتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم، وغلبه شير علي، وخلص له الملك.

بقي السيد جمال الدين في كابل لم يمسسه الأمير بسوء، احتراماً لعشيرته وخوف انتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي، وهنا أيضاً تبدو لك مكانة الأفغاني، ومنزلته بين قومه، وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة، ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام، والتطلع إلى جلائل الأعمال، فهو يناصر أميراً يتوسم فيه الخير، ويعمل على تثبيته في الإمارة، ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول، ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه، ويغلب على أمر الأمير، ويلوذ بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه، ثم يموت بها، أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة، ولايهاب بطش الأمير المنتصر، ولايتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه، ولاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع، بل بقي عظيماً في محنته، ثابتاً في هزيمته، وتلك ظواهر عظمة النفس، ورباطة الجأش، وقوة الجنان.

وهذه المرحلة كان لها أثرها في الاتجاه السياسي للسيد جمال الدين، فقد رأى مابذلته السياسة الإنجليزية لتفريق الكلمة، ودس الدسائس في بلاد الأفغان، وإشعال نار الفتن الداخلية بها، واصطناعها الأولياء من بين أمرائها، ولا مراء في أن هذه الأحداث قد كشفت له عن مطامع الإنجليز، وأساليبهم في الدس والتفريق، وغرست في فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية خاصة، والمطامع الاستعمارية الأوروبية عامة، وقد لازمه هذا الكره طوال حياته، وكان له مبدأ راسخاً يصدر عنه في أعماله وآرائه وحركاته السياسية.
 



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل جمال الدين الأفغاني المفترى عليه
محمد عمارة
محمد عمارة
Mohamed Emara
هو مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى 16 يونيو 2015. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ ثورة 25 يناير وكسر حاجز الخوف ❝ ❞ الغزو الفكري وهم أم حقيقة؟ ❝ ❞ تحرير المرأة بين الغرب والاسلام ❝ ❞ شبهات حول القرآن الكريم ❝ ❞ الحضارات العالمية: تدافع أم صراع؟ ❝ ❞ تقرير علمي تعليقا على كتاب: مستعدين للمجاوبة لسمير مرقس الممنوع في مصر ❝ ❞ الإسلام والأقليات: الماضي، والحاضر، والمستقبل ❝ ❞ هذا هو الإسلام: الدين والحضارة، عوامل امتياز الإسلام - شهادة غربية ❝ ❞ في المسألة القبطية حقائق وأوهام ❝ الناشرين : ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار الكتب والوثائق القومية ❝ ❞ دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ❝ ❞ مكتبة الشروق الدولية ❝ ❞ دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الامام البخاري ❝ ❞ مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار العلوم ❝ ❞ دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ مركز الإعلام العربي ❝ ❞ مركز دراسات العالم الاسلامى ❝ ❞ دار الوحدة ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب التاريخ الإسلامي

العلامة جمال الدين القاسمي، حياته، آثاره PDF

قراءة و تحميل كتاب العلامة جمال الدين القاسمي، حياته، آثاره PDF مجانا

جمهرة أنساب أمهات النبي PDF

قراءة و تحميل كتاب جمهرة أنساب أمهات النبي PDF مجانا

جمال الدين الأفغاني بين دارسيه PDF

قراءة و تحميل كتاب جمال الدين الأفغاني بين دارسيه PDF مجانا

جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام PDF مجانا

جابر بن زيد ومواقفه الفقهية PDF

قراءة و تحميل كتاب جابر بن زيد ومواقفه الفقهية PDF مجانا

سيرة الزبير بن العوام ومواقفه من معارك التحرير والفتوحات العربية الإسلامية PDF

قراءة و تحميل كتاب سيرة الزبير بن العوام ومواقفه من معارك التحرير والفتوحات العربية الإسلامية PDF مجانا

المبشرون بالجنة الزبير بن العوام PDF

قراءة و تحميل كتاب المبشرون بالجنة الزبير بن العوام PDF مجانا

فتح السند PDF

قراءة و تحميل كتاب فتح السند PDF مجانا

المزيد من كتب التاريخ الإسلامي في مكتبة كتب التاريخ الإسلامي , المزيد من كتب تاريخ العالم العربي في مكتبة كتب تاريخ العالم العربي , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من كتب السير و المذكرات في مكتبة كتب السير و المذكرات , المزيد من كتب الأنساب في مكتبة كتب الأنساب , المزيد من كتب التراجم على الطبقات في مكتبة كتب التراجم على الطبقات , المزيد من كتب تاريخ العالم الغربي في مكتبة كتب تاريخ العالم الغربي , المزيد من كتب تاريخ أفريقيا في مكتبة كتب تاريخ أفريقيا , المزيد من كتب تاريخ مصر في مكتبة كتب تاريخ مصر
عرض كل كتب التاريخ ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..