يوسف في السجن قرر العزيز وبعض أهله أن يضعوا يوسف -عليه السلام- في السجن على الرغم من علمهم ببراءته، وعزموا على أن يضعوه في السجن مدّة من الزمن بنيّة رد التهمة عن امرأة العزيز وتجنباً لغوايتها به مرّة أخرى.
رؤيا صاحبي السجن وتعبيرها
دخل يوسف -عليه السلام- السجن ظلماً، وهناك التقى العديد من البشر، وقد اشتهر عنه فيما بينهم؛ بأنّه شخص صالح، صادق الحديث، كثير العبادة، كما أنّه أمين ومُحسن، ودخل في تلك الفترة فتيان؛ الأوّل ساقي الملك، والثاني خبّاز الملك، وقد رأى كلّ واحد منهما في المنام حلماً، وأتيا إلى يوسف -عليه السلام- وقصّ كل منهما خبره عليه وطلبا منه تأويل ذلك، وكان الله -سبحانه وتعالى- قد علّم يوسف التفسير، ولأن يوسف -عليه السلام- نبيّ فقد استغل هذه الفرصة ليدعوا إلى الله -تعالى-، فذكّرهما بالله -تعالى- وبوحدانيته، ودعاهما إلى عبادته وحده وترك ما يعبدون من غيره، وأورد لهم دلائل التوحيد وبراهينه ومبطلات الشرك، وقال لهم: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).[١٥][١٦]
وقد أخبر يوسف -عليه السلام- بعد ذلك كلّ واحد منهما تفسير منامه، وكانت رؤيا الأوّل أنه يعصر الخمر بيديه ثم يقدمه لسيده؛ فكانت بشارته أنّه سيخرج من السجن ويعود إلى عمله، أمّا الآخر الذي رأى أنّه يحمل الخبز وتأكل الطيور من ذلك الخبز فوق رأسه؛ فقد أخبره بأنّه سوف يصلب عقاباً له ويبقى مصلوباً إلى أن تأكل رأسه الطيور، ثم طلب يوسف -عليه السلام- ممّن سيخرج أن يذكره عند الملك وأن يذكر بأنّه بريء من التهمة ليخرج من السجن، إلّا أنّ الفتى نسي الأمر وبقي يوسف -عليه السلام- في سجنه بضعة سنوات.[١٦]
رؤيا الملك وتعبيرها
يستمر القرآن في سورة يوسف بسرد تفاصيل هذه القصّة؛ فبعد أن لبث يوسف -عليه السلام- سنوات أخريات في السجن، رأى عزيز مصر في حُلمه أنّ هناك سبع بقرات هزيلات ضعاف يأكلن سبع بقرات كبيرات سمان، ثم رأى سبع سنبلات خضر وأخرى مثلهنّ لكن يابسات، وحين طلب من حاشيته أن يخبروه عن تفسير هذه الرؤيا اعتذروا بأنّهم لا يعلمون تفسير الرؤيا، وأنّ ذلك الحلم قد يكون مجرد خربطة أحلام، وسمع الفتى الذي كان مع يوسف -عليه السلام- في السجن ذلك وأشار عليهم بمن يفسّر لهم تلك الرؤيا، وأخبرهم أنّ يوسف قادر على تأويلها، قال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ).
وقد فسرّ يوسف -عليه السلام- حلم العزيز وأخبرهم بأنّهم ستمّر عليهم سبع سنين فيهنّ رزق وبركة بسبب الخصب والأمطار، ونصحهم بأن يحفظوا من هذا الحصاد ما يكفيهم للسنين القادمة، وأشار عليهم بأن يتركوا الحصاد في سنبله حفظاً له من الفساد، وأن يبقوا قليلاً منه للأكل، ثمّ أخبرهم أنّ السنوات التي ستأتي بعد هذه السنين سنواتٌ سبع فيهنّ جدب وشدّة؛ فيستهلكون ما حفظوه من غلّة السنين الماضية، وبعد هذه السبع العجاف ستأتيهم سبع سنين ينزل فيها عليهم الغيث، وتخصب الأرض وتغلّ ويعصر الناس مما يخرج من الأرض من زيت وعنب ونحوه.[١٩] براءة يوسف وخروجه من السجن طلب الملك من حاشيته أن يأتوه بيوسف -عليه السلام- بعد أن فسّر له رؤياه، إلّا أن يوسف -عليه السلام- رفض ذلك حتى تظهر براءته للناس ويعلموا أنّه عفيف ولم يقترف شيئاً، وحتّى لا يبقى في نفس الملك على يوسف شيئاً، فقال لرسول الملك: (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيدِهِنَّ عَلِيمٌ)
وحين سألهن الملك اعترفن بأنّ يوسف -عليه السلام- كان بريئاً واعترفت امرأة العزيز أنّها هي من رادوته عن نفسه، ولمّا ظهرت للملك براءة يوسف أمر بإخراجه من السجن، فخرج -عليه السلام-.[٢١] تولية يوسف على خزائن الأرض طلب يوسف -عليه السلام- من الملك بعد أن أخرجه من السجن وأكرمه بأن يجعله وزيراً للخزينة، فقال: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)،[٢٢] فقبل الملك ذلك وأعطاه مفاتيح الخزينة، وهذا من رحمة الله -تعالى- وتمكينه ليوسف -عليه السلام- وفضله عليه.
- التاريخ الإقتصادي من خلال قصص القرآن الكريم 1 المنهج الإقتصادي في التخطيط لنبي الله يوسف عليه السلام
من مباحث قرآنية عامة
قراءة و تحميل كتاب الدلالة الإعجازية في رحاب سورة يوسف عليه السلام PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب تراث أبي الحسن الحرالي المراكشي في التفسير PDF مجانا