مامن شك في
الشريعة المطهرة, وجر￯ تطبيقها والعمل بها في عصر النبوة, وفيما تلاه من عصـر
الخلافة الراشدة, استهداء صلى الله عليه وسلم, وكذلك جرت عناية العلماء ً بما ثبت فيها عن النبي
المسلمين بها في المذاهب المختلفة, فأفردوا لها ً أبوابا خاصة في كتب الفقـه, إضـافة
إلى تناول بعضمسائلها في كتب أخر￯, كالطلاق والنفقات والقضاء وغيرها.
وهذا يدل على أهميتها البالغة, وعظـم خطرهـا, إلا أن غيـاب مراقبـة االله في
كثير من الأحيان, وضعف وازع التقـو￯ التـي هـي الضـمانة الكـبر￯ لاسـتقامة
النفوس, وخاصة في قضايا الأسرة, وفي العلاقات الزوجيـة بصـفة أخـص منهـا
جعلهامن كبريات المشكلات التي تهددأمن المجتمع, وتزلزل بنيانه لما ينـتج عـن
التفريط فيها من ضياع تربيـة أبنـاء المفترقـين, ومـا ينـتج عـن ذلـك مـن الظلـم
والتجاوز, وإيغار الصدور, وإشعال العـداوات بـين أطـراف العلاقـة الزوجيـة
السابقة, ومن ينتمي إليهم, أو يتصل بهم.
ولنا أن نتصورمقدارالبؤس والقهرالذي يعاني منه المحضون, وهو ينشأ بين
هذين القطبين المتنافرين, في حال لا يستطيع معه جلب نفع لنفسـه, ولا دفـعضر
عنها, مما لا يبعد معـه الانحـراف إلى مهـاوي الـرد￯ والرذيلـة, وبـذلك تخســر
الأسرة, ويخسر المجتمع طاقةكان يمكن أن تكون نافعة, تسهم في البنـاء, وتعـين
على الخير, إضافة إلى زيادة معاناة المجتمع بأسره من كثرة التبعات الفادحة بسبب
ازدياد عدد غير الأسوياء فيه.
إن الحال الأمثل لتنشئة الأطفال, والأقرب إلى تحقيق مقاصد الشريعة هو: أن
ينشأ الطفل في كنف والديه, يتلقى الحنان, والعطف من أمه, والرعاية والتأديـب
من أبيه, ويتعاونان في هذه الأموركلها, لكن إذا حصـلت الفرقـة بـين الـزوجين
بــالطلاق, أو بالفســخ أو بــالموت, وهــو إحــد￯ الفــرق, فــإن الطفــل يصــبح
− ٦ −
كالطائر الذي هيض جناحه لا يستطيع أن يطير, فتكون الحضانة حينئذ من بـاب
تدارك ما يمكن تداركه مما فات الطفل من الرعاية الشاملة الكاملة, فهي بهذا من
باب تقليل المفاسد, هذا إذا حصلت على وجههـا, وتحقـق فيهـا شرطهـا, أمـا إذا
غلب الهو￯, ولعب الشيطان لعبته, فـإن الخـير الـذي يمكـن تداركـه سيضـيع,
والضحية هو الطفل.
وإن أعظم ما يصورمعانـاة الصـغار في هـذه الأحـوال مـا قالتـه الصـحابية
الجليلة خولة بنت ثعلبـة, زوج الصـحابي الجليـل أوس بـن الصـامت, رضياالله
عنهما, عندما ظاهرمنها فجـاءت تشـكو حالهـا إلى رسـول االله صلى الله عليه وسلم قائلـة: «إن لي
 .
(١)
صبية ً صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم َّ إلي جاعوا»