افتتح القرآن الكريم كثيرا من السور القرآنية بالقسم، وأورد أقساما في ثنايا عدد غير قليل منها، وأسلوب القسم في اللغة العربية من المؤكدات المشهورة، التي تمكن الشيئ في النفس وتقويه، وقد نزل القرآن الكريم للناس كافة، ووقف الناس منه مواقف متباينة، فمنهم الشاك، ومنهم المنكر، ومنهم الخصم الألد، فجاء القسم في كتاب الله، لإزالة الشكوك، وإحباط الشبهات، وإقامة الحجة، وتوكيد الأخبار، لتطمئن نفس المخاطب إلى الخبر، لا سيما في الأمور العظيمة التي أقسم عليها.
لقد أقسم الله بمخلوقاته مع نهيه عن القسم بغيره، للأشارة إلى أن هذه المخلوقات، ما هي إلا آيات يستنير بها أولوا الألباب في مناهج الاستدلال على وجود الصانع الحكيم، ولتصحيح العقائد الباطلة، فالقسم بالنجم إذا هوى وأمثال ذلك، فيه رد على من اعتقدوا ألوهية الكواكب، وللفت الأنظار إلى الكون وما يحويه من حقائق وأسرار، ونظام بديع محكم، ولتقرير أن الكتاب الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزل من عند الله، وأن الله تكفل بحفظه من التبديل، والتحريف، والنقص، والزيادة، وأنه كتاب هداية، ينير البصائر والأبصار، لتهتدي إلى أقوم طريق.
أسلوب القسم الظاهر في القرآن الكريم
بلاغته ... ... وأغراضه
تمهيد:
أسلوب القسم في اللغة ، طريق من طرق توكيد الكلام ، وإبراز معانيه ومقاصده على النحو الذي يريده المتكلم ، إذ يؤتى به لدفع إنكار المنكرين ، أو إزالة شك الشاكين .والقسم من المؤكدات المشهورة التي تمكن الشيئ في النفس وتقويه ، ومعلوم أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب ، وعلى أسلوب كلامهم ، ومناحي خطابهم ، وكان من عادتهم أنهم إذا قصدوا توكيد الأخبار وتقريرها ، جاءوا بالقسم ، وعلى هذا جاءت في القرآن الكريم أقسام متنوعة ، في مواضيع شتى ، لتوكيد ما يحتاج إلى التوكيد .
والأقسام التي جاء بها القرآن الكريم على ضربين :
الضرب الأول : - ما ورد على طريق الحكاية ، في ضمن ما قصه القرآن من قصص المخلوقين ، كقوله تعالى حكاية لقول إبراهيم – عليه السلام – لقومه : - ( تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ) (1) وكقوله سبحانه مخبرا عما كان يقوله كفار مكة ، قبل بعثة المصطفى – عليه الصلاة والسلام – ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) (2) .
وهذا الضرب من القسم كثير في القرآن ، وليس من غرضي أن أخوض فيه في هذا البحث .
الضرب الثاني : ما أقسم الله تعالى به ، وهذا على نوعين :
النوع الأول : القسم المضمر ، وهو القسم المحذوف ، المدلول عليه بجوابه المقرون باللام ،
كقوله تعالى : ( لتبلون في أموالكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ) (3) تقديره : والله لتبلون ولتسمعن ، بدلالة الجواب المقرون باللام .
أو المدلول عليه بالمعنى والسياق ،كقوله تعالى : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) (1) ، أي : والله ما من كافر إلا وارد النار ، بدلالة المعنى والسياق ، لأن هذه الآية جاءت بعد آيات مؤكدات بالقسم الملفوظ ، وهو قوله تعالى : ( فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا . ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا . ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) (2) فدل القسم الملفوظ على القسم الملحوظ ، وهذا النوع من القسم كثير في القرآن كذلك ، وهو خارج عن نطاق هذا البحث .
النوع الثاني : القسم الظاهر ، وهو الملفوظ ، وهو ما سيكون عليه مدار هذا البحث .
وقد اشتمل هذا البحث على تمهيد ، وسبعة مباحث ، وخاتمة :
بينت في المبحث الأول : الأصل الإشتقاقي لألفاظ القسم .
وبينت في المبحث الثاني : أركان القسم .
وفي المبحث الثالث : حققت القول في المقسم به المبدوء بأداة النفي .
وفي المبحث الرابع : بينت أنواع القسم الظاهر في القرآن الكريم ، وهو نوعان :
النوع الأول : إقسامه تعالى بذاته وصفاته .
النوع الثاني : إقسامه تعالى بمخلوقاته .
وفي المبحث الخامس : وضحت أغراض القسم القرآني ، وأهدافه .
وفي المبحث السادس : بينت الأمور المقسم عليها .
وجعلت المبحث السابع : لبيان بلاغة القسم القرآني .
وفي الخاتمة : استعرضت أهم النتائج .
والله أسأل أن اكون قد وفقت في العرض لهذا الموضوع ، والحمد لله في الأولى والآخرة .
قراءة و تحميل كتاب أحكام من القرآن الكريم (الفاتحة - البقرة) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب أضواء على الإعجاز البلاغي في سورة الفاتحة PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب تعريف موجز بالكتاب المقدس (القرآن) PDF مجانا