كتاب القرآن ودوره في نهوض الأمةكتب إسلامية

كتاب القرآن ودوره في نهوض الأمة

ظهرت الصحوة الإسلامية، سواء في نسختها المعاصرة، أو في تجاربها المختلفة عبر التاريخ الإسلامي من أجل أهداف محددة تشترك فيها مختلف التجارب الصحوية الإسلامية عبر التاريخ، وعلى رأسها، إعادة ربط المسلمين بدينهم، وفهمهم له بشكل صحيح، وكيفية استعادة الأمة لخيريتها ونهوضها مرَّة أخرى، في كل فترة من فترات الانحطاط الحضاري التي كانت تمر بها. وبالرغم من تعدد مدارس النظر إلى هذه القضية، سواء في توصيف الواقع وأسبابه، أو طرائق التعامل معه، إلا أنها اتفقت على أن مبدأ الأمر ومنتهاه، هو أن التعامل مع المأزق الحضاري الذي تمر به الأمة، لن يكون إلا من خلال القرآن الكريم. وفي القرآن الكريم، بجانب تعاليم الشريعة التي ارتضاها الله عز وجل لعباده، نجد الكثير من قواعد العمران بالمفهوم العلمي الواسع للعمران، والتي يمكن أن ينهض على أساسها بنيان متين من النهضة والحضارة. وتشمل هذه الجوانب الكثير من التبويبات الموضوعية المتنوعة التي قام علماء كثيرون بتصنيف آيات القرآن الكريم إليها، فهناك آيات الأحكام، والتي هي من أهم ما يكون في إنهاض العمران الاجتماعي، في مجال الأخلاق والأسرة والمعاملات، وهناك القصص القرآني الذي يعطي صورة وافية عن عوامل قيام ونهوض الأمم، وكذلك هلاكها، وغير ذلك من التبويبات. ومن بين الآيات اللافتة في القرآن الكريم عن هذا الأمر، قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سُورة "الأنعام" - الآية 161]. وفسَّر علماء ثقاة، ولغويون عبارة "دِينًا قِيَمًا" الواردة في الآية، بمعنى أنه ذلك الدين الذي تقوم بقواعده أمور الناس وشؤونهم، كما في القرطبي، وفي القاموس "المحيط" و"لسان العرب"، وغير ذلك. وهي آية بخلاف أنها تكشف التناول القرآني لقضية النهضة بمعناها الواسع، وأهمية الدين في هذا الصدد، أي في شأن ضبط أحوال الناس بالشكل الذي يعينهم على تحسين أحوالهم والقيام بأمورهم؛ فإنها كذلك تشير إلى أن القرآن ذاته هو المعين الأول لذلك؛ حيث إن المصدر الأساسي لهذا الدين القيِّم، هو القرآن الكريم. ويرى البعض أن إبراز هذه السمة في كتاب الله عز وجل، لا ينحصر أمام المسلمين فحسب، وإنما هو على أكبر قدر من الأهمية أمام غير المسلمين في ظل الحرب الراهنة التي يقوم بها خصوم الأمة من أجل تشويه الدين ومفاهيم العمل الإسلامي والمشروع الحضاري للإسلام بشكل عام، فهي إذا قضية دعوة في المقام الأول. إبراز ما يتعلق بكتاب الله من قيم وأحكام، لا ينحصر أمام المسلمين فحسب، وإنما هو على أكبر قدر من الأهمية أمام غير المسلمين في ظل الحرب الراهنة التي يقوم بها خصوم الأمة من أجل تشويه الدين ومفاهيم العمل الإسلامي والمشروع الحضاري للإسلام بشكل عام وفي هذا؛ فإننا نقف أمام أمور أساسية تكلم عنها القرآن الكريم، ووجَّه إليها تشكِّل فيما بينها منظومة متكاملة للنهضة والعمران، في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الأمور المادية، التي تتضمن المعاملات وكذا، والمعنوية، التي تتضمن البنية الأخلاقية التي يقوم عليها كل ذلك. والمجال الأول، هو العقيدة، وهو أمر مهم أن ندركه في سياق مختلف عن مفهوم أهمية العقيدة التقليدي كما نفهمه كمسلمين. فبالنظر إلى تجارب النهضة والتنمية والعمران لدى الأمم الأخرى؛ فإننا نجد أن غالبية هذه التجارب الناجحة قامت على أساس إيمان راسخ بعقيدة أو أيديولوجية معينة . وهو أمر موجود في حالة حضارة أمة الإسلام؛ فإن العقيدة أو الإيمان الراسخ كما وضَّح القرآن الكريم؛ كانت هي –وفق الكثير من المؤرخين والعلماء- أهم عامل ساهم في القيام والرسوخ السريعَيْن لدولة الإسلام الأولى، ونجاحها في تسيّد العالم القديم بالكامل صانعةً دولة العدل والرخاء التي قضت على إمبراطوريات الظلم والاستعباد، في عقود قليلة من الزمن، بشكل لم تحققه أية قوى أخرى عبر التاريخ. العقيدة أو الإيمان الراسخ كما وضَّح القرآن الكريم؛ كانت هي –وفق الكثير من المؤرخين والعلماء- أهم عامل ساهم في القيام والرسوخ السريعَيْن لدولة الإسلام الأولى، ونجاحها في تسيّد العالم القديم بالكامل يلي ذلك البنيان الأخلاقي الذي ينهض على أساس هذه العقيدة، ويكون حلقة الوصل بينها في المجال الإيماني، وبين تطبيقها على أرض الواقع في صورة تعاليم تقوم على أساس العدل والمساواة والحرية في إطار منظومة الشريعة، مما يتيح الفرصة أمام المجتمع للانطلاق والبناء في ظل وجود أسس سليمة لبنائه. وهذا يتصل بدوره بمجال آخر ورد صراحة في القرآن الكريم، وهو مجال "التمكين"، والذي أهم مقاصده إقامة الشريعة، وعبادة الله تعالى في الأرض.. يقول عز وجل: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [سُورة "الحَج" – الآية 41]. وفي المقابل؛ فإن عدم القيام بواجبات وتكاليف هذا التمكين، يستوجب هَلَكَة القوم وهدم الله عز وجل للعمران الذي أقاموه، لأنه أقيم على الباطل، فلا شيء باطل مثل عدم القيام بعقيدة التوحيد، مهما كانت الإنجازات في المجالات الأخرى الدنيوية. وهي سُنَّة واضحة في القرآن الكريم عندما تكلم الله تعالى فيه عن الأمم السابقة، وأسباب هلاكهم، ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [سُورة "الأنعام" - الآية 6].
عمر بن عبد الله المقبل - هو أكاديمي محاضر وخطيب سعودي ولد في محافظة المذنب بمنطقة القصيم، حاصل على شهادة الدكتوراه في السنة النبوية من جامعة الإمام بالرياض، عمل معيدًا بجامعة القصيم ومن ثم أستاذًا للحديث النبوي فيها، عمل كذلك خطيبًا في مسجد الشيخ محمد بن صالح المقبل، له عدد من المؤلفات وكذلك العديد من الدروس والخطب الصوتية والمرئية وقدّم عددًا من البرامج الإذاعية والتلفزيونية. توقّف نشاطه وظهوره الإعلامي منذ 10 سبتمبر 2019 وسط أنباء إعلامية وإخبارية تُفيد باعتقاله في تلك الفترة، كما وصدرت تقارير أخرى حقوقية تذكر اعتقاله ولكن في أكتوبر 2019، مع ذلك، لم يصدر أي ردّ رسمي يؤكد أو ينفي هذه الأنباء والتقارير ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ قواعد قرآنية 50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة ❝ ❞ قواعد نبوية (خمسون قاعدة في العلم والأخلاق والسلوك) ❝ ❞ مواعظ الصحابة رضي الله عنهم مواعظ علمية منهجية وتربوية ❝ ❞ قواعد نبوية (خمسون قاعدة في العلم والأخلاق والسلوك) ❝ ❞ هدايات الأجزاء ❝ ❞ القرآن ودوره في نهوض الأمة ❝ ❞ تغريدات قرآنية أكثر من 300 تغريدة قرآنية ❝ ❞ المنتقى من نونية ابن القيم ❝ ❞ مواعظ الصحابة رضي الله عنه (مواعظ علمية منهجية وتربوية) ❝ الناشرين : ❞ مكتبة الملك فهد الوطنية ❝ ❞ دار الحضارة للنشر والتوزيع ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار المنهاج للنشر والتوزيع ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : ظهرت الصحوة الإسلامية، سواء في نسختها المعاصرة، أو في تجاربها المختلفة عبر التاريخ الإسلامي من أجل أهداف محددة تشترك فيها مختلف التجارب الصحوية الإسلامية عبر التاريخ، وعلى رأسها، إعادة ربط المسلمين بدينهم، وفهمهم له بشكل صحيح، وكيفية استعادة الأمة لخيريتها ونهوضها مرَّة أخرى، في كل فترة من فترات الانحطاط الحضاري التي كانت تمر بها.

وبالرغم من تعدد مدارس النظر إلى هذه القضية، سواء في توصيف الواقع وأسبابه، أو طرائق التعامل معه، إلا أنها اتفقت على أن مبدأ الأمر ومنتهاه، هو أن التعامل مع المأزق الحضاري الذي تمر به الأمة، لن يكون إلا من خلال القرآن الكريم.

وفي القرآن الكريم، بجانب تعاليم الشريعة التي ارتضاها الله عز وجل لعباده، نجد الكثير من قواعد العمران بالمفهوم العلمي الواسع للعمران، والتي يمكن أن ينهض على أساسها بنيان متين من النهضة والحضارة.

وتشمل هذه الجوانب الكثير من التبويبات الموضوعية المتنوعة التي قام علماء كثيرون بتصنيف آيات القرآن الكريم إليها، فهناك آيات الأحكام، والتي هي من أهم ما يكون في إنهاض العمران الاجتماعي، في مجال الأخلاق والأسرة والمعاملات، وهناك القصص القرآني الذي يعطي صورة وافية عن عوامل قيام ونهوض الأمم، وكذلك هلاكها، وغير ذلك من التبويبات.

ومن بين الآيات اللافتة في القرآن الكريم عن هذا الأمر، قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سُورة "الأنعام" - الآية 161].

وفسَّر علماء ثقاة، ولغويون عبارة "دِينًا قِيَمًا" الواردة في الآية، بمعنى أنه ذلك الدين الذي تقوم بقواعده أمور الناس وشؤونهم، كما في القرطبي، وفي القاموس "المحيط" و"لسان العرب"، وغير ذلك.

وهي آية بخلاف أنها تكشف التناول القرآني لقضية النهضة بمعناها الواسع، وأهمية الدين في هذا الصدد، أي في شأن ضبط أحوال الناس بالشكل الذي يعينهم على تحسين أحوالهم والقيام بأمورهم؛ فإنها كذلك تشير إلى أن القرآن ذاته هو المعين الأول لذلك؛ حيث إن المصدر الأساسي لهذا الدين القيِّم، هو القرآن الكريم.

ويرى البعض أن إبراز هذه السمة في كتاب الله عز وجل، لا ينحصر أمام المسلمين فحسب، وإنما هو على أكبر قدر من الأهمية أمام غير المسلمين في ظل الحرب الراهنة التي يقوم بها خصوم الأمة من أجل تشويه الدين ومفاهيم العمل الإسلامي والمشروع الحضاري للإسلام بشكل عام، فهي إذا قضية دعوة في المقام الأول.

إبراز ما يتعلق بكتاب الله من قيم وأحكام، لا ينحصر أمام المسلمين فحسب، وإنما هو على أكبر قدر من الأهمية أمام غير المسلمين في ظل الحرب الراهنة التي يقوم بها خصوم الأمة من أجل تشويه الدين ومفاهيم العمل الإسلامي والمشروع الحضاري للإسلام بشكل عام

وفي هذا؛ فإننا نقف أمام أمور أساسية تكلم عنها القرآن الكريم، ووجَّه إليها تشكِّل فيما بينها منظومة متكاملة للنهضة والعمران، في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الأمور المادية، التي تتضمن المعاملات وكذا، والمعنوية، التي تتضمن البنية الأخلاقية التي يقوم عليها كل ذلك.
والمجال الأول، هو العقيدة، وهو أمر مهم أن ندركه في سياق مختلف عن مفهوم أهمية العقيدة التقليدي كما نفهمه كمسلمين.

فبالنظر إلى تجارب النهضة والتنمية والعمران لدى الأمم الأخرى؛ فإننا نجد أن غالبية هذه التجارب الناجحة قامت على أساس إيمان راسخ بعقيدة أو أيديولوجية معينة .
وهو أمر موجود في حالة حضارة أمة الإسلام؛ فإن العقيدة أو الإيمان الراسخ كما وضَّح القرآن الكريم؛ كانت هي –وفق الكثير من المؤرخين والعلماء- أهم عامل ساهم في القيام والرسوخ السريعَيْن لدولة الإسلام الأولى، ونجاحها في تسيّد العالم القديم بالكامل صانعةً دولة العدل والرخاء التي قضت على إمبراطوريات الظلم والاستعباد، في عقود قليلة من الزمن، بشكل لم تحققه أية قوى أخرى عبر التاريخ.

العقيدة أو الإيمان الراسخ كما وضَّح القرآن الكريم؛ كانت هي –وفق الكثير من المؤرخين والعلماء- أهم عامل ساهم في القيام والرسوخ السريعَيْن لدولة الإسلام الأولى، ونجاحها في تسيّد العالم القديم بالكامل

يلي ذلك البنيان الأخلاقي الذي ينهض على أساس هذه العقيدة، ويكون حلقة الوصل بينها في المجال الإيماني، وبين تطبيقها على أرض الواقع في صورة تعاليم تقوم على أساس العدل والمساواة والحرية في إطار منظومة الشريعة، مما يتيح الفرصة أمام المجتمع للانطلاق والبناء في ظل وجود أسس سليمة لبنائه.

وهذا يتصل بدوره بمجال آخر ورد صراحة في القرآن الكريم، وهو مجال "التمكين"، والذي أهم مقاصده إقامة الشريعة، وعبادة الله تعالى في الأرض.. يقول عز وجل: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [سُورة "الحَج" – الآية 41].

وفي المقابل؛ فإن عدم القيام بواجبات وتكاليف هذا التمكين، يستوجب هَلَكَة القوم وهدم الله عز وجل للعمران الذي أقاموه، لأنه أقيم على الباطل، فلا شيء باطل مثل عدم القيام بعقيدة التوحيد، مهما كانت الإنجازات في المجالات الأخرى الدنيوية.

وهي سُنَّة واضحة في القرآن الكريم عندما تكلم الله تعالى فيه عن الأمم السابقة، وأسباب هلاكهم، ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [سُورة "الأنعام" - الآية 6].

للكاتب/المؤلف : عمر بن عبد الله المقبل .
دار النشر : .
عدد مرات التحميل : 8349 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأحد , 24 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 168 كيلوبايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

ظهرت الصحوة الإسلامية، سواء في نسختها المعاصرة، أو في تجاربها المختلفة عبر التاريخ الإسلامي من أجل أهداف محددة تشترك فيها مختلف التجارب الصحوية الإسلامية عبر التاريخ، وعلى رأسها، إعادة ربط المسلمين بدينهم، وفهمهم له بشكل صحيح، وكيفية استعادة الأمة لخيريتها ونهوضها مرَّة أخرى، في كل فترة من فترات الانحطاط الحضاري التي كانت تمر بها.

وبالرغم من تعدد مدارس النظر إلى هذه القضية، سواء في توصيف الواقع وأسبابه، أو طرائق التعامل معه، إلا أنها اتفقت على أن مبدأ الأمر ومنتهاه، هو أن التعامل مع المأزق الحضاري الذي تمر به الأمة، لن يكون إلا من خلال القرآن الكريم.

وفي القرآن الكريم، بجانب تعاليم الشريعة التي ارتضاها الله عز وجل لعباده، نجد الكثير من قواعد العمران بالمفهوم العلمي الواسع للعمران، والتي يمكن أن ينهض على أساسها بنيان متين من النهضة والحضارة.

وتشمل هذه الجوانب الكثير من التبويبات الموضوعية المتنوعة التي قام علماء كثيرون بتصنيف آيات القرآن الكريم إليها، فهناك آيات الأحكام، والتي هي من أهم ما يكون في إنهاض العمران الاجتماعي، في مجال الأخلاق والأسرة والمعاملات، وهناك القصص القرآني الذي يعطي صورة وافية عن عوامل قيام ونهوض الأمم، وكذلك هلاكها، وغير ذلك من التبويبات.

ومن بين الآيات اللافتة في القرآن الكريم عن هذا الأمر، قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سُورة "الأنعام" - الآية 161].

وفسَّر علماء ثقاة، ولغويون عبارة "دِينًا قِيَمًا" الواردة في الآية، بمعنى أنه ذلك الدين الذي تقوم بقواعده أمور الناس وشؤونهم، كما في القرطبي، وفي القاموس "المحيط" و"لسان العرب"، وغير ذلك.

وهي آية بخلاف أنها تكشف التناول القرآني لقضية النهضة بمعناها الواسع، وأهمية الدين في هذا الصدد، أي في شأن ضبط أحوال الناس بالشكل الذي يعينهم على تحسين أحوالهم والقيام بأمورهم؛ فإنها كذلك تشير إلى أن القرآن ذاته هو المعين الأول لذلك؛ حيث إن المصدر الأساسي لهذا الدين القيِّم، هو القرآن الكريم.

ويرى البعض أن إبراز هذه السمة في كتاب الله عز وجل، لا ينحصر أمام المسلمين فحسب، وإنما هو على أكبر قدر من الأهمية أمام غير المسلمين في ظل الحرب الراهنة التي يقوم بها خصوم الأمة من أجل تشويه الدين ومفاهيم العمل الإسلامي والمشروع الحضاري للإسلام بشكل عام، فهي إذا قضية دعوة في المقام الأول.

إبراز ما يتعلق بكتاب الله من قيم وأحكام، لا ينحصر أمام المسلمين فحسب، وإنما هو على أكبر قدر من الأهمية أمام غير المسلمين في ظل الحرب الراهنة التي يقوم بها خصوم الأمة من أجل تشويه الدين ومفاهيم العمل الإسلامي والمشروع الحضاري للإسلام بشكل عام

وفي هذا؛ فإننا نقف أمام أمور أساسية تكلم عنها القرآن الكريم، ووجَّه إليها تشكِّل فيما بينها منظومة متكاملة للنهضة والعمران، في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الأمور المادية، التي تتضمن المعاملات وكذا، والمعنوية، التي تتضمن البنية الأخلاقية التي يقوم عليها كل ذلك.
والمجال الأول، هو العقيدة، وهو أمر مهم أن ندركه في سياق مختلف عن مفهوم أهمية العقيدة التقليدي كما نفهمه كمسلمين.

فبالنظر إلى تجارب النهضة والتنمية والعمران لدى الأمم الأخرى؛ فإننا نجد أن غالبية هذه التجارب الناجحة قامت على أساس إيمان راسخ بعقيدة أو أيديولوجية معينة .
وهو أمر موجود في حالة حضارة أمة الإسلام؛ فإن العقيدة أو الإيمان الراسخ كما وضَّح القرآن الكريم؛ كانت هي –وفق الكثير من المؤرخين والعلماء- أهم عامل ساهم في القيام والرسوخ السريعَيْن لدولة الإسلام الأولى، ونجاحها في تسيّد العالم القديم بالكامل صانعةً دولة العدل والرخاء التي قضت على إمبراطوريات الظلم والاستعباد، في عقود قليلة من الزمن، بشكل لم تحققه أية قوى أخرى عبر التاريخ.

العقيدة أو الإيمان الراسخ كما وضَّح القرآن الكريم؛ كانت هي –وفق الكثير من المؤرخين والعلماء- أهم عامل ساهم في القيام والرسوخ السريعَيْن لدولة الإسلام الأولى، ونجاحها في تسيّد العالم القديم بالكامل

يلي ذلك البنيان الأخلاقي الذي ينهض على أساس هذه العقيدة، ويكون حلقة الوصل بينها في المجال الإيماني، وبين تطبيقها على أرض الواقع في صورة تعاليم تقوم على أساس العدل والمساواة والحرية في إطار منظومة الشريعة، مما يتيح الفرصة أمام المجتمع للانطلاق والبناء في ظل وجود أسس سليمة لبنائه.

وهذا يتصل بدوره بمجال آخر ورد صراحة في القرآن الكريم، وهو مجال "التمكين"، والذي أهم مقاصده إقامة الشريعة، وعبادة الله تعالى في الأرض.. يقول عز وجل: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [سُورة "الحَج" – الآية 41].

وفي المقابل؛ فإن عدم القيام بواجبات وتكاليف هذا التمكين، يستوجب هَلَكَة القوم وهدم الله عز وجل للعمران الذي أقاموه، لأنه أقيم على الباطل، فلا شيء باطل مثل عدم القيام بعقيدة التوحيد، مهما كانت الإنجازات في المجالات الأخرى الدنيوية.

وهي سُنَّة واضحة في القرآن الكريم عندما تكلم الله تعالى فيه عن الأمم السابقة، وأسباب هلاكهم، ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [سُورة "الأنعام" - الآية 6].



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل القرآن ودوره في نهوض الأمة
عمر بن عبد الله المقبل
عمر بن عبد الله المقبل
Omar bin Abdullah Al Muqbal
هو أكاديمي محاضر وخطيب سعودي ولد في محافظة المذنب بمنطقة القصيم، حاصل على شهادة الدكتوراه في السنة النبوية من جامعة الإمام بالرياض، عمل معيدًا بجامعة القصيم ومن ثم أستاذًا للحديث النبوي فيها، عمل كذلك خطيبًا في مسجد الشيخ محمد بن صالح المقبل، له عدد من المؤلفات وكذلك العديد من الدروس والخطب الصوتية والمرئية وقدّم عددًا من البرامج الإذاعية والتلفزيونية. توقّف نشاطه وظهوره الإعلامي منذ 10 سبتمبر 2019 وسط أنباء إعلامية وإخبارية تُفيد باعتقاله في تلك الفترة، كما وصدرت تقارير أخرى حقوقية تذكر اعتقاله ولكن في أكتوبر 2019، مع ذلك، لم يصدر أي ردّ رسمي يؤكد أو ينفي هذه الأنباء والتقارير ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ قواعد قرآنية 50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة ❝ ❞ قواعد نبوية (خمسون قاعدة في العلم والأخلاق والسلوك) ❝ ❞ مواعظ الصحابة رضي الله عنهم مواعظ علمية منهجية وتربوية ❝ ❞ قواعد نبوية (خمسون قاعدة في العلم والأخلاق والسلوك) ❝ ❞ هدايات الأجزاء ❝ ❞ القرآن ودوره في نهوض الأمة ❝ ❞ تغريدات قرآنية أكثر من 300 تغريدة قرآنية ❝ ❞ المنتقى من نونية ابن القيم ❝ ❞ مواعظ الصحابة رضي الله عنه (مواعظ علمية منهجية وتربوية) ❝ الناشرين : ❞ مكتبة الملك فهد الوطنية ❝ ❞ دار الحضارة للنشر والتوزيع ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار المنهاج للنشر والتوزيع ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب علوم القرآن

مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير نسخة مصورة PDF

قراءة و تحميل كتاب مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير نسخة مصورة PDF مجانا

دراسات في علوم القرآن الكريم نسخة مصورة PDF

قراءة و تحميل كتاب دراسات في علوم القرآن الكريم نسخة مصورة PDF مجانا

الاختلاف في التفسير حقيقته وأسبابه PDF

قراءة و تحميل كتاب الاختلاف في التفسير حقيقته وأسبابه PDF مجانا

قضية قراءة النص القرآني PDF

قراءة و تحميل كتاب قضية قراءة النص القرآني PDF مجانا

سمرقند لـ فيتالي نوميكن PDF

قراءة و تحميل كتاب سمرقند لـ فيتالي نوميكن PDF مجانا

الأخطاء العقدية في بعض الترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية PDF

قراءة و تحميل كتاب الأخطاء العقدية في بعض الترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية PDF مجانا

أيهما أولى بالترجمة: أترجمة معاني القرآن الكريم أم تفسير العلماء له؟ PDF

قراءة و تحميل كتاب أيهما أولى بالترجمة: أترجمة معاني القرآن الكريم أم تفسير العلماء له؟ PDF مجانا

التبيان في أيمان القرآن (نسخة مصورة) PDF

قراءة و تحميل كتاب التبيان في أيمان القرآن (نسخة مصورة) PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..