البعث هو إحياء الله عز وجل الموتى وإخراجهم من قبورهم يوم القيامة، ويُسمّى يوم المعاد لإعادة الأرواح إلى الأبدان، قال ابن كثير: "البعث هو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة". وقد أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ أن يُقْسم على وقوع البعث والجزاء وأنه حق لا ريب فيه، وأن بعث الخلق جميعا بعد موتهم أمر لا يُعجز الله تعالى، بل هو عليه يسير، فقال عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(التغابن:7)، قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرا عن المشركين والكفار والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يُبْعثون: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} أي: لتخبرن بجميع أعمالكم، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: بعثكم ومجازاتكم". وقال السعدي: "يخبر تعالى عن عناد الكافرين، وزعمهم الباطل، وتكذيبهم بالبعث بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فأمر أشرف خلقه، أن يُقْسم بربه على بعثهم، وجزائهم بأعمالهم الخبيثة، وتكذيبهم بالحق، {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} فإنه وإن كان عسيراً بل مُتعذِّراً بالنسبة إلى الخلق، فإن قواهم كلهم، لو اجتمعت على إحياء ميت واحد، ما قدروا على ذلك، وأما الله تعالى، فإنه إذا أراد أمراً فإنما يقول له كُنْ فيكون".
الإيمان بالبعث: هو اليقين الجازم الذي لا يتطرق إليه شك بأن الله تعالى سوف يبعث الخلائق بعد موتهم عند قيام الساعة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}(الحـج:7:5)، قال ابن كثير: "لما ذكر تعالى المخالف للبعث، المُنكر للمعاد، ذكر تعالى الدليل على قدرته تعالى على المعاد، بما يشاهد من بدئه للخلق، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ} أي: في شك {مِّنَ الْبَعْثِ} وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ}.. {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا} أي: كائنة لا شك فيها ولا مرية، {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} أي: يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمما، ويوجدهم بعد العدم".
قال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية": "اعلم أنه يجب الجزم شرعاً أن الله تعالى يبعث جميع العباد، ويعيدهم بعد إيجادهم بجميع أجزائهم الأصلية، وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ويسوقهم إلى محْشرهم لفصل القضاء، فإن هذا حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة". وقال الشيخ ابن عثيمين: "الإيمان بالبعث: وهو إحياء الموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس لرب العالمين.. قال الله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء:104)، والبعث: حق ثابت، دل عليه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين"
عدم الإيمان بالبعث كفر بالله عز وجل:
الإيمان بالبعث أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومُنْكره خارج عن الإسلام، وقد أجمع على ذلك المسلمون ـ سلفا وخلفا ـ، قال الله تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ}(الرعد:2-5). وقال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}(السجدة:10). وقال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(النحل:38-40). قال ابن عبد البر في "التمهيد": "وقد أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث فلا إيمان له ولا شهادة، وفي ذلك ما ينبغي ويكفي، مع ما في القرآن من تأكيد الإقرار بالبعث بعد الموت، فلا وجه للإنكار في ذلك". وقال القاضي عياض في كتابه "الشفا": "وكذلك نقطع على كفر من قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص، وتعذيبها أو تنعيمها فيها، بحسب ذكائها وخبثها. وكذلك من أنكر البعث أو الحساب... فهو كافر بإجماعٍ للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً". وقال ابن تيمية: "وطوائف من الكفار والمشركين وغيرهم ينكرون المعاد بالكلية، فلا يقرّون لا بمعاد الأرواح ولا الأجساد، وقد بيّن الله تعالى في كتابه على لسان رسوله أمر معاد الأرواح والأجساد، وردّ على الكافرين والمنكرين لشيءٍ من ذلك، بياناً في غاية التمام والكمال". ويقول البهوتي: "وإذا جحد البعث كفر، لتكذيبه للكتاب والسنة وإجماع الأمة".
هذا الكتاب يناقش مسألة "الإيمان بما بعد الموت" ..
قراءة و تحميل كتاب الغيب والشهادة في القرآن الكريم (16) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الغيب والشهادة في القرآن الكريم (16) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب سلسلة الإسلام الصافي (10) البضاعة لمبتغي الشفاعة (أي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين في الآخرة ) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب شرح منظومة السير إلى الله والدار الآخرة PDF مجانا