كتاب الصلح في القران الكريم دراسة موضوعيةكتب إسلامية

كتاب الصلح في القران الكريم دراسة موضوعية

يثبت القرآن مبدأ الصلح بين الخصوم وأصحاب الخلاف والمشاكل والنزاعات أساساً للحل، كما ثبت العفو أساساً في مواضع أخرى من بيانه ومنهجه في إصلاح الأفراد والجماعة، وحل مشاكل المجتمع.. فان القانون قد يعجز عن الحل، وقد يكون لتطبيقه آثار سلبية، واعتبر القرآن الصلح خيراً من إجراء القانون، وحسم القضايا عن طريق المجازاة، أو الانتهاء إلى القطيعة والتوتر.. تحدث المفسر الشهير الراغب الأصفهاني عن معنى الصلح فقال :" ... والصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، يقال منه اصطلحوا، أو تصالحوا، قال تعالى : (أنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلحاً وَالصُّلحُ خَيْرٌ وَانْ تُصْلِحوا وَتتقوا فأصلحوا بَينهما فأصْلِحُوا بَينَ أخَويْكم...). ويدعو القرآن إلى سلوك سبيل الصلح في موارد متعددة من عرضه لمشاكل المجتمع والقبيلة والأسرة فيقول: (وَلا تَجْعَلوا اللهَ عُرْضَةً لِأيْمَانِكُمْ أنْ تَبَرُّوا وَتَتّقوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ) (البقرة/ 224). (يَسْألونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتّقوا اللهَ وَأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ) (الأنفال/ 1). (وَانْ طَائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اقْتَتَلوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَاِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلى الأُخْرَى فَقاتِلوا التِي تَبْغِي حَتّى تَفِئَ إلى أمْرِ اللهِ فَانْ فَاءَتْ فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَاقْسِطُوا إنّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ * إنّمَا المُؤمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ وَاتّقُوا اللهَ لعَلكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 9-10). (وَاِن امْرَأةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أوْ إعْراضاً فَلا جُنَاحَ عَليْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَاِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَانَّ اللهَ كانَ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيراً) (النساء/ 128). (وَاِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثوا حَكَماً مِنْ أهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أهْلِهَا إِنْ يُريدا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء/ 35). ان هذه المجموعة من الآيات تتحدث عن الصلح بين الناس لفض المنازعات، وحل المشاكل التي تحدث في الأسرة بين الزوج وزوجته، وبين أفراد المجتمع بمختلف مواقع تفاعلهم وأنماط مشاكلهم، بدلاً من اللجوء إلى القضاء والمحاكمة.. إنها دعوة إلى التعالي على الخلاف، ونسيان الخصومة، وإحلال التفاهم والمحبة بدلاً من التشاجر والشقاق.. فالصلح في منطق القرآن خير من الفرقة والخلاف وقطع العلاقة، أو انزال العقوبة والقصاص في الطرف الآخر. فانه يريد أن يبني مجتمع الحب والتفاهم والمودة والتسامح، ولا يريد أن تكون العلاقة بين الناس قائمة على الخلاف والمواجهة والعقوبة والقطيعة والقصاص.. وكما ثبت القرآن مبدأ الصلح والعفو والصفح لحل المشاكل، وإقامة العلاقات الطيبة بين الناس، دعا كذلك إلى التسامي على صغائر القضايا والمشاكل التي يحدث منها الجهال والحمقى مشاكل معقدة.. قال تعالى: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إن هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فسَوْفَ يَعْلمُونَ ) (الزخرف/ 88-89). (أُوْلئِكَ يُؤْتُونَ أجْرَهُمْ مَرّتيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُمْ يُنفِقونَ * وإذا سَمِعُوا اللغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالوا لنَا أعْمَالنَا وَلكُمْ أعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَليْكُمْ لا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ) (القصص/ 54-55). (وَالذينَ هُمْ عَنِ اللغْوِ مُعْرِضُون) (المؤمنون/ 3) (وَالذِينَ لا يَشْهَدونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرّوا كِرَاماً) (الفرقان/ 72). وهكذا تتضح صورة الشخصية الإسلامية في المجتمع الإسلامي شخصية تتمثل فيها صفات الرب التي يتعامل بها مع الخلق. فالرب عفو غفور رحيم، يريد الخير والصلاح لهذا الإنسان، دعاه إلى أن يعفو ويصفح، ويلجأ إلى الصلح.. وكم هو رائع ومعبر قول الإمام علي (ع) الذي جاء في كتابه إلى مالك الأشتر، واليه على مصر:" فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانك فوقهم، وولي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحب الله فانه لا يَدَ لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ولا تندمنّ على عفو، ولا تَبْجَحَنَّ بعقوبة، ولا تُسرعنَّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمَّر، آمُرُ فأطاع، فان ذلك ادغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير". وقد يتأثر الإنسان بمواقف سلبية من أناس يحسن إليهم.. يقابلون إحسانه بالإساءة ، فيحدث في نفسه رد فعل.. فيرد على إساءتهم بالمثل، فيقطع عنهم إحسانه ومعروفه، ويحرمهم من العون المادي، أو الإسناد الأدبي الذي يقدمه لهم.. والقرآن يتسامى في منهجه التربوي على ردود الفعل تلك، ويطالب الإنسان المسلم أن يتسامى إلى ما هو أرقى من ردة الفعل التي يوقف فيها الإنسان عمل المعروف، بسبب إساءة المسيئين.. جاء ذلك في قوله تعالى: (وَلا يَأتَلِ أُوْلُو الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يَؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهاجِرينَ في سَبِيلِ اللهِ وَليَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لكُمْ وَاللهُ غَفورٌ رَحيمٌ) (النور / 22). وهكذا يثبت القرآن للإنسان منهجاً أخلاقياً يوقظ حسّه ووجدانه كلما أسيئ إليه ، ووقف بين قراري العفو والعقاب.. يخاطبه القرآن : إذا اعف عن الآخرين واصفح.. موضوع البحث :الصلح في القرآن الكريم وقد هدف هذا البحث إلي بيان مفهوم الصلح ,وإدراك فضله وحكمه ,والوقوف علي أقسام الصلح وشروطه ,ومقومات نجاحه ,وفوائده في حياة الفرد والمجتمع ولتحقيق هذه الأهداف اعتمد الباحث علي المنهج الوصفي بشقيه :الإستنباطي و التحليلي .
صالح احمد صالح شويط - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الصلح في القران الكريم دراسة موضوعية ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : يثبت القرآن مبدأ الصلح بين الخصوم وأصحاب الخلاف والمشاكل والنزاعات أساساً للحل، كما ثبت العفو أساساً في مواضع أخرى من بيانه ومنهجه في إصلاح الأفراد والجماعة، وحل مشاكل المجتمع.. فان القانون قد يعجز عن الحل، وقد يكون لتطبيقه آثار سلبية، واعتبر القرآن الصلح خيراً من إجراء القانون، وحسم القضايا عن طريق المجازاة، أو الانتهاء إلى القطيعة والتوتر..

تحدث المفسر الشهير الراغب الأصفهاني عن معنى الصلح فقال :" ... والصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، يقال منه اصطلحوا، أو تصالحوا، قال تعالى : (أنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلحاً وَالصُّلحُ خَيْرٌ وَانْ تُصْلِحوا وَتتقوا فأصلحوا بَينهما فأصْلِحُوا بَينَ أخَويْكم...). ويدعو القرآن إلى سلوك سبيل الصلح في موارد متعددة من عرضه لمشاكل المجتمع والقبيلة والأسرة فيقول: (وَلا تَجْعَلوا اللهَ عُرْضَةً لِأيْمَانِكُمْ أنْ تَبَرُّوا وَتَتّقوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ) (البقرة/ 224). (يَسْألونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتّقوا اللهَ وَأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ) (الأنفال/ 1).

(وَانْ طَائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اقْتَتَلوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَاِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلى الأُخْرَى فَقاتِلوا التِي تَبْغِي حَتّى تَفِئَ إلى أمْرِ اللهِ فَانْ فَاءَتْ فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَاقْسِطُوا إنّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ * إنّمَا المُؤمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ وَاتّقُوا اللهَ لعَلكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 9-10). (وَاِن امْرَأةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أوْ إعْراضاً فَلا جُنَاحَ عَليْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَاِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَانَّ اللهَ كانَ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيراً) (النساء/ 128).

(وَاِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثوا حَكَماً مِنْ أهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أهْلِهَا إِنْ يُريدا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء/ 35). ان هذه المجموعة من الآيات تتحدث عن الصلح بين الناس لفض المنازعات، وحل المشاكل التي تحدث في الأسرة بين الزوج وزوجته، وبين أفراد المجتمع بمختلف مواقع تفاعلهم وأنماط مشاكلهم، بدلاً من اللجوء إلى القضاء والمحاكمة..

إنها دعوة إلى التعالي على الخلاف، ونسيان الخصومة، وإحلال التفاهم والمحبة بدلاً من التشاجر والشقاق.. فالصلح في منطق القرآن خير من الفرقة والخلاف وقطع العلاقة، أو انزال العقوبة والقصاص في الطرف الآخر.

فانه يريد أن يبني مجتمع الحب والتفاهم والمودة والتسامح، ولا يريد أن تكون العلاقة بين الناس قائمة على الخلاف والمواجهة والعقوبة والقطيعة والقصاص.. وكما ثبت القرآن مبدأ الصلح والعفو والصفح لحل المشاكل، وإقامة العلاقات الطيبة بين الناس، دعا كذلك إلى التسامي على صغائر القضايا والمشاكل التي يحدث منها الجهال والحمقى مشاكل معقدة.. قال تعالى: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إن هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فسَوْفَ يَعْلمُونَ ) (الزخرف/ 88-89).

(أُوْلئِكَ يُؤْتُونَ أجْرَهُمْ مَرّتيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُمْ يُنفِقونَ * وإذا سَمِعُوا اللغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالوا لنَا أعْمَالنَا وَلكُمْ أعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَليْكُمْ لا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ) (القصص/ 54-55). (وَالذينَ هُمْ عَنِ اللغْوِ مُعْرِضُون) (المؤمنون/ 3) (وَالذِينَ لا يَشْهَدونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرّوا كِرَاماً) (الفرقان/ 72).

وهكذا تتضح صورة الشخصية الإسلامية في المجتمع الإسلامي شخصية تتمثل فيها صفات الرب التي يتعامل بها مع الخلق. فالرب عفو غفور رحيم، يريد الخير والصلاح لهذا الإنسان، دعاه إلى أن يعفو ويصفح، ويلجأ إلى الصلح.. وكم هو رائع ومعبر قول الإمام علي (ع) الذي جاء في كتابه إلى مالك الأشتر، واليه على مصر:" فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانك فوقهم، وولي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحب الله فانه لا يَدَ لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ولا تندمنّ على عفو، ولا تَبْجَحَنَّ بعقوبة، ولا تُسرعنَّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمَّر، آمُرُ فأطاع، فان ذلك ادغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير". وقد يتأثر الإنسان بمواقف سلبية من أناس يحسن إليهم.. يقابلون إحسانه بالإساءة ، فيحدث في نفسه رد فعل..

فيرد على إساءتهم بالمثل، فيقطع عنهم إحسانه ومعروفه، ويحرمهم من العون المادي، أو الإسناد الأدبي الذي يقدمه لهم.. والقرآن يتسامى في منهجه التربوي على ردود الفعل تلك، ويطالب الإنسان المسلم أن يتسامى إلى ما هو أرقى من ردة الفعل التي يوقف فيها الإنسان عمل المعروف، بسبب إساءة المسيئين..

جاء ذلك في قوله تعالى: (وَلا يَأتَلِ أُوْلُو الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يَؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهاجِرينَ في سَبِيلِ اللهِ وَليَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لكُمْ وَاللهُ غَفورٌ رَحيمٌ) (النور / 22). وهكذا يثبت القرآن للإنسان منهجاً أخلاقياً يوقظ حسّه ووجدانه كلما أسيئ إليه ، ووقف بين قراري العفو والعقاب.. يخاطبه القرآن : إذا اعف عن الآخرين واصفح..


موضوع البحث :الصلح في القرآن الكريم وقد هدف هذا البحث إلي بيان مفهوم الصلح ,وإدراك فضله وحكمه ,والوقوف علي أقسام الصلح وشروطه ,ومقومات نجاحه ,وفوائده في حياة الفرد والمجتمع ولتحقيق هذه الأهداف اعتمد الباحث علي المنهج الوصفي بشقيه :الإستنباطي و التحليلي .

سنة النشر : 2016م / 1437هـ .
عدد مرات التحميل : 7232 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأربعاء , 20 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 2.6 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

  يثبت القرآن مبدأ الصلح بين الخصوم وأصحاب الخلاف والمشاكل والنزاعات أساساً للحل، كما ثبت العفو أساساً في مواضع أخرى من بيانه ومنهجه في إصلاح الأفراد والجماعة، وحل مشاكل المجتمع.. فان القانون قد يعجز عن الحل، وقد يكون لتطبيقه آثار سلبية، واعتبر القرآن الصلح خيراً من إجراء القانون، وحسم القضايا عن طريق المجازاة، أو الانتهاء إلى القطيعة والتوتر..

 تحدث المفسر الشهير الراغب الأصفهاني عن معنى الصلح فقال :" ... والصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، يقال منه اصطلحوا، أو تصالحوا، قال تعالى : (أنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلحاً وَالصُّلحُ خَيْرٌ وَانْ تُصْلِحوا وَتتقوا فأصلحوا بَينهما فأصْلِحُوا بَينَ أخَويْكم...). ويدعو القرآن إلى سلوك سبيل الصلح في موارد متعددة من عرضه لمشاكل المجتمع والقبيلة والأسرة فيقول: (وَلا تَجْعَلوا اللهَ عُرْضَةً لِأيْمَانِكُمْ أنْ تَبَرُّوا وَتَتّقوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ) (البقرة/ 224). (يَسْألونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتّقوا اللهَ وَأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ)  (الأنفال/ 1). 

(وَانْ طَائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اقْتَتَلوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَاِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلى الأُخْرَى فَقاتِلوا التِي تَبْغِي حَتّى تَفِئَ إلى أمْرِ اللهِ فَانْ فَاءَتْ فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَاقْسِطُوا إنّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ * إنّمَا المُؤمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ وَاتّقُوا اللهَ لعَلكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 9-10). (وَاِن امْرَأةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أوْ إعْراضاً فَلا جُنَاحَ عَليْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَاِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَانَّ اللهَ كانَ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيراً) (النساء/ 128). 

(وَاِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثوا حَكَماً مِنْ أهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أهْلِهَا إِنْ يُريدا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء/ 35). ان هذه المجموعة من الآيات تتحدث عن الصلح بين الناس لفض المنازعات، وحل المشاكل التي تحدث في الأسرة بين الزوج وزوجته، وبين أفراد المجتمع بمختلف مواقع تفاعلهم وأنماط مشاكلهم، بدلاً من اللجوء إلى القضاء والمحاكمة..   

  إنها دعوة إلى التعالي على الخلاف، ونسيان الخصومة، وإحلال التفاهم والمحبة بدلاً من التشاجر والشقاق.. فالصلح في منطق القرآن خير من الفرقة والخلاف وقطع العلاقة، أو انزال العقوبة والقصاص في الطرف الآخر. 

فانه يريد أن يبني مجتمع الحب والتفاهم والمودة والتسامح، ولا يريد أن تكون العلاقة بين الناس قائمة على الخلاف والمواجهة والعقوبة والقطيعة والقصاص.. وكما ثبت القرآن مبدأ الصلح والعفو والصفح لحل المشاكل، وإقامة العلاقات الطيبة بين الناس، دعا كذلك إلى التسامي على صغائر القضايا والمشاكل التي يحدث منها الجهال والحمقى مشاكل معقدة.. قال تعالى: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إن هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فسَوْفَ يَعْلمُونَ ) (الزخرف/ 88-89).

 (أُوْلئِكَ يُؤْتُونَ أجْرَهُمْ مَرّتيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُمْ يُنفِقونَ * وإذا سَمِعُوا اللغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالوا لنَا أعْمَالنَا وَلكُمْ أعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَليْكُمْ لا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ) (القصص/ 54-55). (وَالذينَ هُمْ عَنِ اللغْوِ مُعْرِضُون) (المؤمنون/ 3) (وَالذِينَ لا يَشْهَدونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرّوا كِرَاماً) (الفرقان/ 72).

 وهكذا تتضح صورة الشخصية الإسلامية في المجتمع الإسلامي شخصية تتمثل فيها صفات الرب التي يتعامل بها مع الخلق. فالرب عفو غفور رحيم، يريد الخير والصلاح لهذا الإنسان، دعاه إلى أن يعفو ويصفح، ويلجأ إلى الصلح.. وكم هو رائع ومعبر قول الإمام علي (ع) الذي جاء في كتابه إلى مالك الأشتر، واليه على مصر:" فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانك فوقهم، وولي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحب الله فانه لا يَدَ لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ولا تندمنّ على عفو، ولا تَبْجَحَنَّ بعقوبة، ولا تُسرعنَّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمَّر، آمُرُ فأطاع، فان ذلك ادغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير". وقد يتأثر الإنسان بمواقف سلبية من أناس يحسن إليهم.. يقابلون إحسانه بالإساءة ، فيحدث في نفسه رد فعل.. 

فيرد على إساءتهم بالمثل، فيقطع عنهم إحسانه ومعروفه، ويحرمهم من العون المادي، أو الإسناد الأدبي الذي يقدمه لهم.. والقرآن يتسامى في منهجه التربوي على ردود الفعل تلك، ويطالب الإنسان المسلم أن يتسامى إلى ما هو أرقى من ردة الفعل التي يوقف فيها الإنسان عمل المعروف، بسبب إساءة المسيئين.. 

جاء ذلك في قوله تعالى:  (وَلا يَأتَلِ أُوْلُو الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يَؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهاجِرينَ في سَبِيلِ اللهِ وَليَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لكُمْ وَاللهُ غَفورٌ رَحيمٌ)  (النور / 22). وهكذا يثبت القرآن للإنسان منهجاً أخلاقياً يوقظ حسّه ووجدانه كلما أسيئ إليه ، ووقف بين قراري العفو والعقاب.. يخاطبه القرآن : إذا اعف عن الآخرين واصفح..


موضوع البحث :الصلح في القرآن الكريم وقد هدف هذا البحث إلي بيان مفهوم الصلح ,وإدراك فضله وحكمه ,والوقوف علي أقسام الصلح وشروطه ,ومقومات نجاحه ,وفوائده في حياة الفرد والمجتمع ولتحقيق هذه الأهداف اعتمد الباحث علي المنهج الوصفي بشقيه :الإستنباطي و التحليلي . 



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الصلح في القران الكريم دراسة موضوعية
صالح احمد صالح شويط
صالح احمد صالح شويط
SALH AHMD SALH SHOIT
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الصلح في القران الكريم دراسة موضوعية ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب علوم القرآن

القطع والائتناف PDF

قراءة و تحميل كتاب القطع والائتناف PDF مجانا

دستور الأخلاق في القرآن (نسخة مصورة) PDF

قراءة و تحميل كتاب دستور الأخلاق في القرآن (نسخة مصورة) PDF مجانا

الدلالة العقلية في القرآن ومكانتها في تقرير مسائل العقيدة الإسلامية PDF

قراءة و تحميل كتاب الدلالة العقلية في القرآن ومكانتها في تقرير مسائل العقيدة الإسلامية PDF مجانا

منهجية الحوار الجدلي في القرآن الكريم والسنة النبوية PDF

قراءة و تحميل كتاب منهجية الحوار الجدلي في القرآن الكريم والسنة النبوية PDF مجانا

إرشاد القارئين إلى مناهج وطرق تدريس الكتاب المبين PDF

قراءة و تحميل كتاب إرشاد القارئين إلى مناهج وطرق تدريس الكتاب المبين PDF مجانا

القواعد الحسان في تفسير القرآن PDF

قراءة و تحميل كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن PDF مجانا

الأربعون القرآنية: أربعون حديثا مختارة في فضائل القرآن PDF

قراءة و تحميل كتاب الأربعون القرآنية: أربعون حديثا مختارة في فضائل القرآن PDF مجانا

من بلاغة القرآن في التعبير بالغدو والآصال والعشي والإبكار PDF

قراءة و تحميل كتاب من بلاغة القرآن في التعبير بالغدو والآصال والعشي والإبكار PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..