كتاب أحمد بن حنبل إمام أهل السنةكتب إسلامية

كتاب أحمد بن حنبل إمام أهل السنة

أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ / 780-855م) فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه "المسند" من أشهر كتب الحديث وأوسعها. وُلد أحمد بن حنبل سنة 164هـ في بغداد ونشأ فيها يتيماً، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتَّجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183هـ، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186هـ، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى العراق والحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204هـ جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف. اشتُهر ابن حنبل بصبره على المحنة التي وقعت به والتي عُرفت باسم "فتنة خلق القرآن"، وهي فتنة وقعت في العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون، ثم المعتصم والواثق من بعده، إذ اعتقد هؤلاء الخلفاء أن القرآن مخلوق محدَث، وهو رأي المعتزلة، ولكن ابن حنبل وغيره من العلماء خالفوا ذلك، فحُبس ابن حنبل وعُذب، ثم أُخرج من السجن وعاد إلى التحديث والتدريس، وفي عهد الواثق مُنع من الاجتماع بالناس، فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً. وفي شهر ربيع الأول سنة 241هـ، مرض أحمد بن حنبل ثم مات، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة. أخلاقه وصفاته الورع والزهد كان أحمد بن حنبل ورعاً زاهداً، فقد كان كثير التعبد في محراب العلم ومحراب الصلاة، دائم الصوم حتى في أيام المحنة، إذ كان يُجلد بالسياط وهو صائم تطوعاً تبتلاً، وكانت صلاته في اليوم ثلاثمئة ركعة، فلما أوذي في المحنة ونزل به من الضرب والجلد ما نزل وبقيت آثار الجلد تؤلمه إلى أن مات، لم يستطع أن يحافظ على الركعات الثلاثمئة فأنزلها إلى مئة وخمسين ركعة في اليوم، وكانت له ختمة في كل سبع ليال. وكان ابن حنبل يتمثل الموت دائماً، وكان إذا ذكر الموت خنقته العبرة، ويردف قائلاً: «الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب»، كما كان شديد التعلق برسول الإسلام محمد، ولم يكن هذا التعلق بالحب والاهتمام بالحديث النبوي وحسب، وإنما بما يقع تحت يده من آثار النبي محمد، فقد قال ابنه عبد الله: «رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فمه ويقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به، ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في حُب الماء، ثم شرب فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه». غزارة العلم مخطوطة تعود لكتاب "مسائل الإمام أحمد" لتلميذه أبي داود. ذاع علم أحمد بن حنبل واشتهر وهو حي يرزق، بل إن علمه بالحديث والأثر ذاع وهو لا يزال شاباً يتلقى العلم ويأخذ عن الشيوخ، وقد قال فيه أحمد بن سعيد الرازي وهو شاب: «ما رأيت أسْودَ الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم بفقهه من أحمد بن حنبل»، وقال له شيخه الشافعي: «أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان الخبر صحيحاً فأعلمني حتى أذهب إليه كوفياً كان أو مصرياً أو شامياً»، ورُوي عن الإمام الشافعي أيضاً أنه قال: «ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي»، وقال معاصره علي بن المديني: «ليس فينا أحفظ من أبي عبد الله بن حنبل»، وقال أيضاً: «أعرف أبا عبد الله منذ خمسين سنة وهو يزداد خيراً». وينبغي الذكر أن أحمد بن حنبل كان يعرف اللغة الفارسية ويتكلم بها أحياناً، فقد رُوي أنه قدِم عليه من خراسان ابنُ خالته ونزل عنده، ولما قدَّم له الطعام كان ابن حنبل يسأله عن خراسان وأهلها وما بقي من ذوي أحمد بها، وربما استعجم القول على الضيف، فيكلمه أحمد بالفارسية. قوة الحفظ كان أحمد بن حنبل يمتاز بقوة الحافظة، وقد تضافرت الأخبار في ذلك يؤيد بعضها بعضاً، قال ابن حنبل: «كنت أذاكر وكيعاً بحديث الثوري، فكان إذا صلى العشاء خرج من المسجد إلى منزله، فكنت أذاكره، فربما ذكر تسعة أحاديث أو العشرة فأحفظها، فإذا دخل قال لي أصحاب الحديث: أملِ علينا، فأمليها عليهم فيكتبونها». كما شهد معاصروه بقوة حفظه وضبطه، فقد قيل لمعاصره أبي زرعة: «من رأيت من المشايخ والمحدثين أحفظ؟»، قال: «أحمد بن حنبل». وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا زرعة يقول: «كان أحمد بن حنبل يحفظ ألفَ ألفِ حديث»، فقيل له: «وما يدريك؟»، قال: «ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب». الصبر اتصف أحمد بن حنبل بالصبر والجَلَد وقوة الاحتمال، وهذه هي أبرز صفاته، وهي التي أذاعت ذكره ونشرت خبره، وقد كانت هذه الصفة المزاج الذي اختص به الإمام أحمد، فجمع بها بين الفقر والجود والعفة وعزة النفس والإباء، وبين العفو واحتمال الأذى، وهي التي جعلته يحتمل ما يحتمل في طلب العلم، غير وانٍ ولا راضٍ بالقليل منه، يجوب الأقطار ويقطع الفيافي والقفار، راكباً إن أسعفته الحال، وماشياً إن ضاقت النفقة، ولما صار له شأن وتصدى للدرس والإفتاء نزل به البلاء الأكبر والمحنة العظمى، فكانت تلك الصفة هي عهدته، وبها كانت أهبته، فقد صبر وصابر الذين أنزلوا به الأذى، حتى ملوا الأذى ولم يهن ولم يستكن، ولم يستخذلهم ولم يجبهم إلى قولهم. ومن الأخبار التي تدل على قوة جنانه وثباته أنه دخل على الخليفة في أيام المحنة، بعد أن هولوا عليه لينطق بما ينجيه ويرضيهم، وكانوا قد ضربوا عنق رجلين في حضرته، ولكنه في وسط ذلك المنظر المروع، وقع نظره على بعض أصحاب الشافعي، فسأله: «وأي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح على الخفين؟»، فأثار ذلك دهشة الحاضرين، وراعهم ذلك الجنان الثابت، حتى قال خصمه أحمد بن أبي دؤاد متعجباً: «انظروا لرجل هو ذا يُقدم به لضرب عنقه فيناظر في الفقه». التواضع كان أحمد بن حنبل متواضعاً متطامناً لعامة الناس، مقيلاً لعثراتهم، وقد حكى عنه تلميذه المروزي فقال: «لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله، كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لا يتصدر، ويقعد حيث انتهى به المجلس». الهيبة كان أحمد بن حنبل مهيباً من غير خوف، وموضعاً للإجلال والاحترام من غير رهبة، وكانت له هيبة حتى في نفس أساتذته، فقد كان بعض أساتذته يمزح مع بعض تلاميذه غير عالم بمكان أحمد من المجلس، فلما علم بمكانه لامهم إذ لم ينبهوه على وجوده حتى لا يمزح وهو في حضرته. وكانت الشرطة تهابه أيضاً، أما هيبة تلاميذه له فأعظم من ذلك، فقد قال فيه أحد تلاميذه: «كنا نهاب أن نرد أحمد في الشيء أو نحاجه في شيء من الأشياء»، وقال أحد معاصريه الذين تتلمذوا له: «دخلت على إسحاق بن إبراهيم، وفلان وفلان من السلاطين، فما رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرت إليه أكلمه في شيء فوقعت علي الرعدة حين رأيته من هيبته»، وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام: «جالست أبا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي فما هبت أحداً منهم ما هبت أحمد بن حنبل». صفته الشكلية كان أحمد بن حنبل يوصف بالحُسن، قال أحمد بن العباس بن الوليد النحوي: سمعت أبي يقول: رأيت أحمد بن حنبل رجلاً حسن الوجه، ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيضاء، ورأيته مُعتمَّاً وعليه إزار. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: خضب أبي رأسه ولحيته بالحناء وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكانت تعلوه سكينة ووقار وخشية، وكان نظيفاً في ملبسه، أنيقاً في هيئته في نطاق الحِفاظ على زهده، وقد وصفه تلميذه عبد الملك بن عبد الحميد الميموني بقوله: «ما أعلم أني رأيت أحداً أنظف ثوباً ولا أشد تعاهداً لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوباً وشدة بياض من أحمد بن حنبل». كتبه ومؤلفاته كان أحمد بن حنبل منقطعاً إلى العلم بصفة عامة وللحديث بصفة خاصة، ولذلك فإنه ترك رصيداً نفيساً من المؤلفات تندرج جميعاً تحت باب الحديث أكثر من اندراجها تحت أي باب آخر من العلوم الدينية، وحتى تلك التي لا يدل اسمها على أنها كتب حديث تعتمد أكثر ما تعتمد على الأحاديث النبوية، تأخذ منها مادتها وتنسج منها موضوعاتها. وأما الكتب التي تنسب للإمام أحمد فهي: المسند، وقد قام الإمام أحمد بجمعه طوال أيام حياته، وضمَّنه ثلاثين ألف حديث حسب رواية أبي الحسن بن المناوي، وذهب قوم إلى أن عدد أحاديث المسند أربعون ألفاً، على أن أحاديث المسند قد انتقيت من سبعمئة وخمسين ألف حديث رويت من أكثر من سبعمئة صحابي، وكان الإمام أحمد يُملي الأحاديث على خاصته وخصوصاً ولده عبد الله، كما كان يسجل بعضها في كثير من الأحيان بنفسه، ولكنه توفي قبل أن يُخرج العمل الكبير للناس بنفسه، فقام ابنه عبد الله على إعداده، وإضافة بعض ما سمع من أحاديث صحيحة نصَّ على أنه أضافها بعد وفاة أبيه.
عبد الغني الدقر - عبد الغني بن علي الدقر عالم شرعي ، وأديب لغوي ، ونحوي صرفي ، ومحقق باحث ، داعية إلى الله على بصيرة ولد الشيخ عبد الغني في دمشق عام 1335هـ - 1916م في أسرة دمشقية عريقة، لأب عالم عامل جليل ، كان الأشهر بين العلماء الوعاظ في عصره ، هو الشيخ علي الدقر ، صاحب أكبر نهضة علمية ليس في بلاد الشام وحدها ، بل في العالم العربي كله ، وأكثر علماء الدين في دمشق ، وحوران ، والأردن ، وبعض المدن السورية الأخرى هم من تلاميذه ومن خريجي معاهده ومدارسه الشرعية التابعة لجمعيته التي أسسها عام 1343هـ - 1924م باسم (الجمعية الغراء لتعليم أبناء الفقراء) وقد تخرج فيها آلاف الطلبة الذين كان منهم العلماء والأدباء ، والفقهاء ، والخطباء ، والقضاة ، والوزراء ، وأساتذة الجامعات ، تخرجوا في هذه الجمعية على يد شيخها العالم الرباني المربي المجاهد الداعي إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، الذي قضى على كثير من الخرافات والبدع التي كانت تسود المجتمعات الإسلامية عامة ، والصوفية خاصة ، كان وقافاً عند حدود الشرع الحنيف لا يتعداه ، ولا يسمح لأحد أن يتعداه. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر ❝ ❞ معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذيل بالإملاء ❝ ❞ الإمام سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث ❝ ❞ الإمام النووي شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الفقهاء والمحدثين ❝ ❞ سفيان بن عيينة شيخ شيوخ مكة في عصره ❝ ❞ أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ❝ ❞ سلسلة أعلام المسلمين (الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر) ❝ الناشرين : ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❱
من التراجم والأعلام - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ / 780-855م) فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه "المسند" من أشهر كتب الحديث وأوسعها.

وُلد أحمد بن حنبل سنة 164هـ في بغداد ونشأ فيها يتيماً، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتَّجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183هـ، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186هـ، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى العراق والحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204هـ جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف.

اشتُهر ابن حنبل بصبره على المحنة التي وقعت به والتي عُرفت باسم "فتنة خلق القرآن"، وهي فتنة وقعت في العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون، ثم المعتصم والواثق من بعده، إذ اعتقد هؤلاء الخلفاء أن القرآن مخلوق محدَث، وهو رأي المعتزلة، ولكن ابن حنبل وغيره من العلماء خالفوا ذلك، فحُبس ابن حنبل وعُذب، ثم أُخرج من السجن وعاد إلى التحديث والتدريس، وفي عهد الواثق مُنع من الاجتماع بالناس، فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً. وفي شهر ربيع الأول سنة 241هـ، مرض أحمد بن حنبل ثم مات، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة.

أخلاقه وصفاته
الورع والزهد
كان أحمد بن حنبل ورعاً زاهداً، فقد كان كثير التعبد في محراب العلم ومحراب الصلاة، دائم الصوم حتى في أيام المحنة، إذ كان يُجلد بالسياط وهو صائم تطوعاً تبتلاً، وكانت صلاته في اليوم ثلاثمئة ركعة، فلما أوذي في المحنة ونزل به من الضرب والجلد ما نزل وبقيت آثار الجلد تؤلمه إلى أن مات، لم يستطع أن يحافظ على الركعات الثلاثمئة فأنزلها إلى مئة وخمسين ركعة في اليوم، وكانت له ختمة في كل سبع ليال.

وكان ابن حنبل يتمثل الموت دائماً، وكان إذا ذكر الموت خنقته العبرة، ويردف قائلاً: «الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب»، كما كان شديد التعلق برسول الإسلام محمد، ولم يكن هذا التعلق بالحب والاهتمام بالحديث النبوي وحسب، وإنما بما يقع تحت يده من آثار النبي محمد، فقد قال ابنه عبد الله: «رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فمه ويقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به، ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في حُب الماء، ثم شرب فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه».

غزارة العلم

مخطوطة تعود لكتاب "مسائل الإمام أحمد" لتلميذه أبي داود.
ذاع علم أحمد بن حنبل واشتهر وهو حي يرزق، بل إن علمه بالحديث والأثر ذاع وهو لا يزال شاباً يتلقى العلم ويأخذ عن الشيوخ، وقد قال فيه أحمد بن سعيد الرازي وهو شاب: «ما رأيت أسْودَ الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم بفقهه من أحمد بن حنبل»، وقال له شيخه الشافعي: «أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان الخبر صحيحاً فأعلمني حتى أذهب إليه كوفياً كان أو مصرياً أو شامياً»، ورُوي عن الإمام الشافعي أيضاً أنه قال: «ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي»، وقال معاصره علي بن المديني: «ليس فينا أحفظ من أبي عبد الله بن حنبل»، وقال أيضاً: «أعرف أبا عبد الله منذ خمسين سنة وهو يزداد خيراً».

وينبغي الذكر أن أحمد بن حنبل كان يعرف اللغة الفارسية ويتكلم بها أحياناً، فقد رُوي أنه قدِم عليه من خراسان ابنُ خالته ونزل عنده، ولما قدَّم له الطعام كان ابن حنبل يسأله عن خراسان وأهلها وما بقي من ذوي أحمد بها، وربما استعجم القول على الضيف، فيكلمه أحمد بالفارسية.

قوة الحفظ
كان أحمد بن حنبل يمتاز بقوة الحافظة، وقد تضافرت الأخبار في ذلك يؤيد بعضها بعضاً، قال ابن حنبل: «كنت أذاكر وكيعاً بحديث الثوري، فكان إذا صلى العشاء خرج من المسجد إلى منزله، فكنت أذاكره، فربما ذكر تسعة أحاديث أو العشرة فأحفظها، فإذا دخل قال لي أصحاب الحديث: أملِ علينا، فأمليها عليهم فيكتبونها». كما شهد معاصروه بقوة حفظه وضبطه، فقد قيل لمعاصره أبي زرعة: «من رأيت من المشايخ والمحدثين أحفظ؟»، قال: «أحمد بن حنبل». وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا زرعة يقول: «كان أحمد بن حنبل يحفظ ألفَ ألفِ حديث»، فقيل له: «وما يدريك؟»، قال: «ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب».

الصبر
اتصف أحمد بن حنبل بالصبر والجَلَد وقوة الاحتمال، وهذه هي أبرز صفاته، وهي التي أذاعت ذكره ونشرت خبره، وقد كانت هذه الصفة المزاج الذي اختص به الإمام أحمد، فجمع بها بين الفقر والجود والعفة وعزة النفس والإباء، وبين العفو واحتمال الأذى، وهي التي جعلته يحتمل ما يحتمل في طلب العلم، غير وانٍ ولا راضٍ بالقليل منه، يجوب الأقطار ويقطع الفيافي والقفار، راكباً إن أسعفته الحال، وماشياً إن ضاقت النفقة، ولما صار له شأن وتصدى للدرس والإفتاء نزل به البلاء الأكبر والمحنة العظمى، فكانت تلك الصفة هي عهدته، وبها كانت أهبته، فقد صبر وصابر الذين أنزلوا به الأذى، حتى ملوا الأذى ولم يهن ولم يستكن، ولم يستخذلهم ولم يجبهم إلى قولهم.

ومن الأخبار التي تدل على قوة جنانه وثباته أنه دخل على الخليفة في أيام المحنة، بعد أن هولوا عليه لينطق بما ينجيه ويرضيهم، وكانوا قد ضربوا عنق رجلين في حضرته، ولكنه في وسط ذلك المنظر المروع، وقع نظره على بعض أصحاب الشافعي، فسأله: «وأي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح على الخفين؟»، فأثار ذلك دهشة الحاضرين، وراعهم ذلك الجنان الثابت، حتى قال خصمه أحمد بن أبي دؤاد متعجباً: «انظروا لرجل هو ذا يُقدم به لضرب عنقه فيناظر في الفقه».

التواضع
كان أحمد بن حنبل متواضعاً متطامناً لعامة الناس، مقيلاً لعثراتهم، وقد حكى عنه تلميذه المروزي فقال: «لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله، كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لا يتصدر، ويقعد حيث انتهى به المجلس».

الهيبة
كان أحمد بن حنبل مهيباً من غير خوف، وموضعاً للإجلال والاحترام من غير رهبة، وكانت له هيبة حتى في نفس أساتذته، فقد كان بعض أساتذته يمزح مع بعض تلاميذه غير عالم بمكان أحمد من المجلس، فلما علم بمكانه لامهم إذ لم ينبهوه على وجوده حتى لا يمزح وهو في حضرته. وكانت الشرطة تهابه أيضاً، أما هيبة تلاميذه له فأعظم من ذلك، فقد قال فيه أحد تلاميذه: «كنا نهاب أن نرد أحمد في الشيء أو نحاجه في شيء من الأشياء»، وقال أحد معاصريه الذين تتلمذوا له: «دخلت على إسحاق بن إبراهيم، وفلان وفلان من السلاطين، فما رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرت إليه أكلمه في شيء فوقعت علي الرعدة حين رأيته من هيبته»، وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام: «جالست أبا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي فما هبت أحداً منهم ما هبت أحمد بن حنبل».

صفته الشكلية
كان أحمد بن حنبل يوصف بالحُسن، قال أحمد بن العباس بن الوليد النحوي: سمعت أبي يقول: رأيت أحمد بن حنبل رجلاً حسن الوجه، ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيضاء، ورأيته مُعتمَّاً وعليه إزار. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: خضب أبي رأسه ولحيته بالحناء وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكانت تعلوه سكينة ووقار وخشية، وكان نظيفاً في ملبسه، أنيقاً في هيئته في نطاق الحِفاظ على زهده، وقد وصفه تلميذه عبد الملك بن عبد الحميد الميموني بقوله: «ما أعلم أني رأيت أحداً أنظف ثوباً ولا أشد تعاهداً لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوباً وشدة بياض من أحمد بن حنبل».

كتبه ومؤلفاته
كان أحمد بن حنبل منقطعاً إلى العلم بصفة عامة وللحديث بصفة خاصة، ولذلك فإنه ترك رصيداً نفيساً من المؤلفات تندرج جميعاً تحت باب الحديث أكثر من اندراجها تحت أي باب آخر من العلوم الدينية، وحتى تلك التي لا يدل اسمها على أنها كتب حديث تعتمد أكثر ما تعتمد على الأحاديث النبوية، تأخذ منها مادتها وتنسج منها موضوعاتها.

وأما الكتب التي تنسب للإمام أحمد فهي:

المسند، وقد قام الإمام أحمد بجمعه طوال أيام حياته، وضمَّنه ثلاثين ألف حديث حسب رواية أبي الحسن بن المناوي، وذهب قوم إلى أن عدد أحاديث المسند أربعون ألفاً، على أن أحاديث المسند قد انتقيت من سبعمئة وخمسين ألف حديث رويت من أكثر من سبعمئة صحابي، وكان الإمام أحمد يُملي الأحاديث على خاصته وخصوصاً ولده عبد الله، كما كان يسجل بعضها في كثير من الأحيان بنفسه، ولكنه توفي قبل أن يُخرج العمل الكبير للناس بنفسه، فقام ابنه عبد الله على إعداده، وإضافة بعض ما سمع من أحاديث صحيحة نصَّ على أنه أضافها بعد وفاة أبيه.

للكاتب/المؤلف : عبد الغني الدقر .
دار النشر : دار القلم للنشر والتوزيع .
سنة النشر : 1999م / 1420هـ .
عدد مرات التحميل : 7788 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الثلاثاء , 12 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 5 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ / 780-855م) فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه "المسند" من أشهر كتب الحديث وأوسعها.

وُلد أحمد بن حنبل سنة 164هـ في بغداد ونشأ فيها يتيماً، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتَّجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183هـ، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186هـ، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى العراق والحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204هـ جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف.

اشتُهر ابن حنبل بصبره على المحنة التي وقعت به والتي عُرفت باسم "فتنة خلق القرآن"، وهي فتنة وقعت في العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون، ثم المعتصم والواثق من بعده، إذ اعتقد هؤلاء الخلفاء أن القرآن مخلوق محدَث، وهو رأي المعتزلة، ولكن ابن حنبل وغيره من العلماء خالفوا ذلك، فحُبس ابن حنبل وعُذب، ثم أُخرج من السجن وعاد إلى التحديث والتدريس، وفي عهد الواثق مُنع من الاجتماع بالناس، فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً. وفي شهر ربيع الأول سنة 241هـ، مرض أحمد بن حنبل ثم مات، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة.

أخلاقه وصفاته
الورع والزهد
كان أحمد بن حنبل ورعاً زاهداً، فقد كان كثير التعبد في محراب العلم ومحراب الصلاة، دائم الصوم حتى في أيام المحنة، إذ كان يُجلد بالسياط وهو صائم تطوعاً تبتلاً، وكانت صلاته في اليوم ثلاثمئة ركعة، فلما أوذي في المحنة ونزل به من الضرب والجلد ما نزل وبقيت آثار الجلد تؤلمه إلى أن مات، لم يستطع أن يحافظ على الركعات الثلاثمئة فأنزلها إلى مئة وخمسين ركعة في اليوم، وكانت له ختمة في كل سبع ليال.

وكان ابن حنبل يتمثل الموت دائماً، وكان إذا ذكر الموت خنقته العبرة، ويردف قائلاً: «الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب»، كما كان شديد التعلق برسول الإسلام محمد، ولم يكن هذا التعلق بالحب والاهتمام بالحديث النبوي وحسب، وإنما بما يقع تحت يده من آثار النبي محمد، فقد قال ابنه عبد الله: «رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فمه ويقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به، ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في حُب الماء، ثم شرب فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه».

غزارة العلم

مخطوطة تعود لكتاب "مسائل الإمام أحمد" لتلميذه أبي داود.
ذاع علم أحمد بن حنبل واشتهر وهو حي يرزق، بل إن علمه بالحديث والأثر ذاع وهو لا يزال شاباً يتلقى العلم ويأخذ عن الشيوخ، وقد قال فيه أحمد بن سعيد الرازي وهو شاب: «ما رأيت أسْودَ الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم بفقهه من أحمد بن حنبل»، وقال له شيخه الشافعي: «أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان الخبر صحيحاً فأعلمني حتى أذهب إليه كوفياً كان أو مصرياً أو شامياً»، ورُوي عن الإمام الشافعي أيضاً أنه قال: «ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي»، وقال معاصره علي بن المديني: «ليس فينا أحفظ من أبي عبد الله بن حنبل»، وقال أيضاً: «أعرف أبا عبد الله منذ خمسين سنة وهو يزداد خيراً».

وينبغي الذكر أن أحمد بن حنبل كان يعرف اللغة الفارسية ويتكلم بها أحياناً، فقد رُوي أنه قدِم عليه من خراسان ابنُ خالته ونزل عنده، ولما قدَّم له الطعام كان ابن حنبل يسأله عن خراسان وأهلها وما بقي من ذوي أحمد بها، وربما استعجم القول على الضيف، فيكلمه أحمد بالفارسية.

قوة الحفظ
كان أحمد بن حنبل يمتاز بقوة الحافظة، وقد تضافرت الأخبار في ذلك يؤيد بعضها بعضاً، قال ابن حنبل: «كنت أذاكر وكيعاً بحديث الثوري، فكان إذا صلى العشاء خرج من المسجد إلى منزله، فكنت أذاكره، فربما ذكر تسعة أحاديث أو العشرة فأحفظها، فإذا دخل قال لي أصحاب الحديث: أملِ علينا، فأمليها عليهم فيكتبونها». كما شهد معاصروه بقوة حفظه وضبطه، فقد قيل لمعاصره أبي زرعة: «من رأيت من المشايخ والمحدثين أحفظ؟»، قال: «أحمد بن حنبل». وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا زرعة يقول: «كان أحمد بن حنبل يحفظ ألفَ ألفِ حديث»، فقيل له: «وما يدريك؟»، قال: «ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب».

الصبر
اتصف أحمد بن حنبل بالصبر والجَلَد وقوة الاحتمال، وهذه هي أبرز صفاته، وهي التي أذاعت ذكره ونشرت خبره، وقد كانت هذه الصفة المزاج الذي اختص به الإمام أحمد، فجمع بها بين الفقر والجود والعفة وعزة النفس والإباء، وبين العفو واحتمال الأذى، وهي التي جعلته يحتمل ما يحتمل في طلب العلم، غير وانٍ ولا راضٍ بالقليل منه، يجوب الأقطار ويقطع الفيافي والقفار، راكباً إن أسعفته الحال، وماشياً إن ضاقت النفقة، ولما صار له شأن وتصدى للدرس والإفتاء نزل به البلاء الأكبر والمحنة العظمى، فكانت تلك الصفة هي عهدته، وبها كانت أهبته، فقد صبر وصابر الذين أنزلوا به الأذى، حتى ملوا الأذى ولم يهن ولم يستكن، ولم يستخذلهم ولم يجبهم إلى قولهم.

ومن الأخبار التي تدل على قوة جنانه وثباته أنه دخل على الخليفة في أيام المحنة، بعد أن هولوا عليه لينطق بما ينجيه ويرضيهم، وكانوا قد ضربوا عنق رجلين في حضرته، ولكنه في وسط ذلك المنظر المروع، وقع نظره على بعض أصحاب الشافعي، فسأله: «وأي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح على الخفين؟»، فأثار ذلك دهشة الحاضرين، وراعهم ذلك الجنان الثابت، حتى قال خصمه أحمد بن أبي دؤاد متعجباً: «انظروا لرجل هو ذا يُقدم به لضرب عنقه فيناظر في الفقه».

التواضع
كان أحمد بن حنبل متواضعاً متطامناً لعامة الناس، مقيلاً لعثراتهم، وقد حكى عنه تلميذه المروزي فقال: «لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله، كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لا يتصدر، ويقعد حيث انتهى به المجلس».

الهيبة
كان أحمد بن حنبل مهيباً من غير خوف، وموضعاً للإجلال والاحترام من غير رهبة، وكانت له هيبة حتى في نفس أساتذته، فقد كان بعض أساتذته يمزح مع بعض تلاميذه غير عالم بمكان أحمد من المجلس، فلما علم بمكانه لامهم إذ لم ينبهوه على وجوده حتى لا يمزح وهو في حضرته. وكانت الشرطة تهابه أيضاً، أما هيبة تلاميذه له فأعظم من ذلك، فقد قال فيه أحد تلاميذه: «كنا نهاب أن نرد أحمد في الشيء أو نحاجه في شيء من الأشياء»، وقال أحد معاصريه الذين تتلمذوا له: «دخلت على إسحاق بن إبراهيم، وفلان وفلان من السلاطين، فما رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرت إليه أكلمه في شيء فوقعت علي الرعدة حين رأيته من هيبته»، وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام: «جالست أبا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي فما هبت أحداً منهم ما هبت أحمد بن حنبل».

صفته الشكلية
كان أحمد بن حنبل يوصف بالحُسن، قال أحمد بن العباس بن الوليد النحوي: سمعت أبي يقول: رأيت أحمد بن حنبل رجلاً حسن الوجه، ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيضاء، ورأيته مُعتمَّاً وعليه إزار. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: خضب أبي رأسه ولحيته بالحناء وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكانت تعلوه سكينة ووقار وخشية، وكان نظيفاً في ملبسه، أنيقاً في هيئته في نطاق الحِفاظ على زهده، وقد وصفه تلميذه عبد الملك بن عبد الحميد الميموني بقوله: «ما أعلم أني رأيت أحداً أنظف ثوباً ولا أشد تعاهداً لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوباً وشدة بياض من أحمد بن حنبل».

كتبه ومؤلفاته
كان أحمد بن حنبل منقطعاً إلى العلم بصفة عامة وللحديث بصفة خاصة، ولذلك فإنه ترك رصيداً نفيساً من المؤلفات تندرج جميعاً تحت باب الحديث أكثر من اندراجها تحت أي باب آخر من العلوم الدينية، وحتى تلك التي لا يدل اسمها على أنها كتب حديث تعتمد أكثر ما تعتمد على الأحاديث النبوية، تأخذ منها مادتها وتنسج منها موضوعاتها.

وأما الكتب التي تنسب للإمام أحمد فهي:

المسند، وقد قام الإمام أحمد بجمعه طوال أيام حياته، وضمَّنه ثلاثين ألف حديث حسب رواية أبي الحسن بن المناوي، وذهب قوم إلى أن عدد أحاديث المسند أربعون ألفاً، على أن أحاديث المسند قد انتقيت من سبعمئة وخمسين ألف حديث رويت من أكثر من سبعمئة صحابي، وكان الإمام أحمد يُملي الأحاديث على خاصته وخصوصاً ولده عبد الله، كما كان يسجل بعضها في كثير من الأحيان بنفسه، ولكنه توفي قبل أن يُخرج العمل الكبير للناس بنفسه، فقام ابنه عبد الله على إعداده، وإضافة بعض ما سمع من أحاديث صحيحة نصَّ على أنه أضافها بعد وفاة أبيه.

يتكلم عن:
أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ونسبه وصفاته وبعض اموره الشخصية.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل أحمد بن حنبل إمام أهل السنة
عبد الغني الدقر
عبد الغني الدقر
Abdul Ghani Al Daqr
عبد الغني بن علي الدقر عالم شرعي ، وأديب لغوي ، ونحوي صرفي ، ومحقق باحث ، داعية إلى الله على بصيرة ولد الشيخ عبد الغني في دمشق عام 1335هـ - 1916م في أسرة دمشقية عريقة، لأب عالم عامل جليل ، كان الأشهر بين العلماء الوعاظ في عصره ، هو الشيخ علي الدقر ، صاحب أكبر نهضة علمية ليس في بلاد الشام وحدها ، بل في العالم العربي كله ، وأكثر علماء الدين في دمشق ، وحوران ، والأردن ، وبعض المدن السورية الأخرى هم من تلاميذه ومن خريجي معاهده ومدارسه الشرعية التابعة لجمعيته التي أسسها عام 1343هـ - 1924م باسم (الجمعية الغراء لتعليم أبناء الفقراء) وقد تخرج فيها آلاف الطلبة الذين كان منهم العلماء والأدباء ، والفقهاء ، والخطباء ، والقضاة ، والوزراء ، وأساتذة الجامعات ، تخرجوا في هذه الجمعية على يد شيخها العالم الرباني المربي المجاهد الداعي إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، الذي قضى على كثير من الخرافات والبدع التي كانت تسود المجتمعات الإسلامية عامة ، والصوفية خاصة ، كان وقافاً عند حدود الشرع الحنيف لا يتعداه ، ولا يسمح لأحد أن يتعداه. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر ❝ ❞ معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذيل بالإملاء ❝ ❞ الإمام سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث ❝ ❞ الإمام النووي شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الفقهاء والمحدثين ❝ ❞ سفيان بن عيينة شيخ شيوخ مكة في عصره ❝ ❞ أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ❝ ❞ سلسلة أعلام المسلمين (الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر) ❝ الناشرين : ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❱.



كتب اخرى في التراجم والأعلام

عبادة بن الصامت صحابي كبير وفاتح مجاهد PDF

قراءة و تحميل كتاب عبادة بن الصامت صحابي كبير وفاتح مجاهد PDF مجانا

هارون الرشيد أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا PDF

قراءة و تحميل كتاب هارون الرشيد أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا PDF مجانا

العشرة المبشرون بالجنة PDF

قراءة و تحميل كتاب العشرة المبشرون بالجنة PDF مجانا

الإمام البخاري أستاذ الأستاذين وإمام المحدثين وحجة المجتهدين وصاحب الجامع المسند الصحيح PDF

قراءة و تحميل كتاب الإمام البخاري أستاذ الأستاذين وإمام المحدثين وحجة المجتهدين وصاحب الجامع المسند الصحيح PDF مجانا

الفوائد البهية في تراجم الحنفية PDF

قراءة و تحميل كتاب الفوائد البهية في تراجم الحنفية PDF مجانا

الإمام الطبري شيخ المفسرين وعمدة المؤرخين ومقدم الفقهاء المحدثين صاحب المذهب الجريري PDF

قراءة و تحميل كتاب الإمام الطبري شيخ المفسرين وعمدة المؤرخين ومقدم الفقهاء المحدثين صاحب المذهب الجريري PDF مجانا

سكب الرذاذ على سيرة سعد بن معاذ رضي الله عنه PDF

قراءة و تحميل كتاب سكب الرذاذ على سيرة سعد بن معاذ رضي الله عنه PDF مجانا

الإمام الجويني إمام الحرمين PDF

قراءة و تحميل كتاب الإمام الجويني إمام الحرمين PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..