القانون
الحماية الجنائية للجنين في الشريعة والقانون
إعداد : أ.د/ طاهر صالح العبيدي
شارك وانشر
حقوق الجنين في الإسلام
الحمد لله الذي أكمل لنا الدِّين، وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمةٍ، وبعث فينا رسولًا منا يتلو علينا آياته، ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة،والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا،أما بعد:
فإن الشريعة الإسلامية قد أعطت الجنين في بطن أمه حقوقه كاملة، ويمكن أن نوجز حقوق الجنين في الأمور التالية:
المحافظة على صحة الجنين:
تظهر محافظة الشريعة الإسلامية على سلامة الجنين منذ تكوينه في رحم أمه حتى يخرج إلى الحياة.
ويمكن أن نوجز صور محافظة الإسلام على الجنين فيما يلي:
(1) إباحة الفِطر للمرأة الحامل والمرضع:
وذلك من أجل المحافظة على صحة الجنين؛ حتى لا يتعرض للسقوط، ومحافظة على الأم؛ لأنها أصل الجنين.
روى أحمد وأبو داود عن أنس بن مالكٍ رجلٍ من بني عبدالله بن كعبٍ، قال: أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو يتغدى، فقال: ((ادنُ فكُلْ))، قلت: إني صائم، قال: ((اجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام، إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم))؛ (حديث حسن صحيح) (مسند أحمد ـ جـ 4 ـ صـ 347) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2107).
في هذا الحديث دليل على أن المرأة أو المرضع تُفطر إذا خافت على ولدها، ولو كانت هي قادرة على الصوم.
والحكمة من ذلك: أن الجنين يحتاج إلى تدفق الدم ليحصل منه على غذائه وشرابه، ولما كانت محتويات الدم معرَّضة للتأثر بسبب الصوم، وهذا يؤثر على نمو الجنين، كانت رخصة للمرأة الحامل أو المرضع أن تفطر في شهر رمضان من أجل المحافظة على صحة الجنين.
(2) تأخير العقوبة البدنية المستحقة على الحامل:
مِن صور عناية الشريعة الإسلامية بالجنين: أن المرأة الحامل من الزنا، إذا كانت متزوجة قبل ذلك، فإنها لا يقام عليها حد الرجم حتى تضع حملها، ولا يقتص منها في أي عقوبة أخرى حتى تضع حملها.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن المرأة إذا اعترفت بالزنا، وهي حامل، أنها لا ترجم حتى تضع حملها؛ (الإجماع لابن المنذر صـ 112 رقم 635).
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].
هذه الآية المباركة دليل على أن الإنسان لا يؤاخَذ بذنب غيره، وفي رجم المرأة الحامل أو القِصاص منها اعتداءٌ على جنينها، وقتل نفس معصومة بغير ذنب.
روى مسلم عن بريدة، قال: جاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيتُ فطهِّرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله، لمَ تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا؛ فوالله إني لحبلى، قال: ((إما لا فاذهبي حتى تلدي))، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقةٍ، قالت: هذا قد ولدته، قال: ((اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه))، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبزٍ، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجلٍ من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها؛ (مسلم حديث 1695).
روى مسلم عن أبي عبدالرحمن، قال: خطب عليٌّ فقال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحدَّ، من أحصن منهم ومن لم يحصن؛ فإن أمَةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهدٍ بنفاسٍ، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أحسنتَ))؛ (مسلم حديث 1705).
حقوق الجنين المادية:
المقصود بالحقوق المادية هي الحقوق التي يكتسبها الجنين من جهة الشرع، سواء كانت مالًا أو عينًا، ويمكن أن نوجز هذه الحقوق في الأمور الآتية:
(1) الإرث:
ذهب الفقهاء إلى استحقاق الجنين للإرث بشرطين:
(1) التيقن من وجود الجنين في بطن أمه عند موت مورِّثه.
(2) انفصال الجنين عن أمه حيًّا، ولو لحظة واحدة، وذلك بصُراخِه، أو ما يدل على حياته؛ (المبسوط للسرخسي جـ 30 صـ 50: صـ 51) (المغني لابن قدامة جـ 8 صـ 456).
روى أبو داود عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استهل المولود، ورِث))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2534).
(2) الوصية:
اتفق الفقهاء على جواز الوصية للجنين في وجود شرطين، وهما:
(1) أن يكون الجنين موجودًا في بطن أمه وقت الوصية، فإذا لم يكن الجنين موجودًا وقت الوصية، كانت هذه الوصية باطلة.
(2) أن ينفصل الجنين عن أمه وهو على قيد الحياة؛ (البحر الرائق لابن نجيم جـ 8 صـ 389).
قال ابن قدامة:
الوصية للحمل صحيحة، لا نعلم فيه خلافًا؛ وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث، من حيث كونها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له، بغير عوضٍ، كانتقاله إلى وارثه، وقد سمى الله تعالى الميراث وصيةً بقوله سبحانه: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11].
وقال سبحانه: ﴿ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾ [النساء: 12].
مواضيع:
الاجهاض | اليمن | القانون الجنائي | الجنين | حقوق الجنين | اسقاط الجنين | الشريعة الاسلامية | الاخصاب | حقوق الانسان | حقوق المرأة | المرأة الحامل | الفقه الاسلامي
قراءة و تحميل كتاب الجناية علي العقل في ضوء الشريعة الإسلامية PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الجناية علي النفس بالصعق الكهربائي PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الحماية الجنائية للحق في براءة الاختراع بين الفقه والقانون PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الرجوع عن الإقرار فيما موجبه التعزير PDF مجانا