كان شيخ الإسلام ملتزمًا في موقفه من التصوف والصوفية بالقواعد الأساسية في اجتهاداته فمن حيث النهج التاريخي، يضع الأصل في البحث الاقتداء بالصحابة فالتابعين فهمًا للحديث ((خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) ومن استمسك بعدهم بالمنهج الإسلامي الصحيح عقيدة وعبادة وسلوكًا وأخلاقًا.
وكلما بعد الزمن، كلما قل عدد الصحابة والتابعين، فبدأت البدع في الظهور تدريجيًا، لأن نور النبوة في الأصل كان بمثابة الشمس الساطعة التي طمست الكواكب، عاش السلف فيها برهة طويلة ثم حجب بعض نور النبوة.
وعلى أثر أحداث الفن برزت الخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة - كما أسلفنا - فوقف في وجهها بعض الصحابة لمجابهتها وبيان أخطائها وهم على سبيل المثال عبدالله بن عباس 86هـ وعبد الله بن عمر 73هـ وأبو سعيد الخدري 94 هـ.
وفيما يتعلق بالتصوف، فإن ابن تيمية قرنه بالرأي وعلم الكلام كألوان من البدع لم تعرف لدى القرون الأولى - مرجعًا ظهورها إلى عاملين: الأول: ظهور سلطان الموالي من غير العرب لا سيما القرس، والعامل الثاني: ترجمة كتب الفرس والروم والهند.
ومع هذه النظرة التاريخية، فإن له منهجه الموضوعي أيضًا في دراسة التصوف فإنه يضع علم النبوة في قمة العلوم جميعًا لأنه العلم بالإيمان والقرآن، ثم حدث الانقسام بعد ذلك إلى دوائر الفقه والحديث وأعمال القلوب، وأخذ علماء المسلمين يجتهدون كل في مجال، وما من أحد ممن أسماهم إلا ولـه - في رأيه - من الآراء والأفعال ما لا يتبع عليها مع أنه لا يذم عليها- أي أن ضرورة الاقتداء بالطريقة النبوية هو الأصل والأساس لأنه لا عصمة إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ويقول في عبارة جامعة:
من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدي الذي كان محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عليه، فقد أصاب طريق النبوة.
ومن الملاحظات الدقيقة المعبرة عن الحقيقة التي وجدناها عند المستشرق الفرنسي (لاووست) للصوفية بقوله:
وتمارس الصوفية على اختلاف أشكال تطرقها نشاطاً هو بمثابة معول هدم للمذهب السني، فقد تسللت إلى الإسلام عن طريقها مؤثرات مسيحية، وأمام انتشار نظام الرهبنة لم يعد الإسلام نظامًا سياسيًا، وتحول مفهوم الدين عن حقيقته الاجتماعية، وأصبح المثل الأعلى في نظر المؤمن هو الانقطاع عن الدنيا لعبادة الله تأملًا ومناجاة، وبالتدريج تحولت الحركة السنية المجاهدة في أوائل عصر المماليك إلى سنية هادئة هابطة متمسكة بالطقوس، ازدهرت في ظل حكم اخر أمراء المماليك البحريين ومع بداية عهد الشراكسة، وبعد أن كان ((الجهاد)) في الأصل أعظم الأعمال الشرعية لأنه يقتضي من كل فرد أكبر جهد ومن الجماعة أكبر قدر من التضامن والترابط، أصبحت أفضل الأعمال هي هروب الفرد من المجتمع وممارسته التوبة والندم عن طريق الصلاة والصوم والخلوة، والحقبة التي تعنينا في هذا البحث هي الفترة التي تحولت فيها السنية إلى شكلها الثاني، مما فرض على ابن تيمية واجب التوضيح والتحديد لمعنى ((الورع) في مفهوم الدين، وهو ما يطلق عليه رجال الصوفية لفظ ((العبادة))[2].
وقد أجاد لاووست في وضع يده على أساس البلاء بمشرط باحث دقيق. ولكن كنا نود منه أن يفسر لنا عنف ابن تيمية في خصومة الطرق الصوفية التي اتخذت من الشعوذة سبيلًا إلى قلوب الجماهير، والحق أنه لا تفسير لشدة خصومة شيخ الإسلام إلا بسبب المؤثرات الأجنبية التي أشار إليها المؤلف هنا وكان شيخ الإسلام حريصًا على تأكيد صيغة الجهاد الإسلامية في معظم مؤلفاته، كما عبر بسلوكه العملي عن إيمانه العميق بضرورة ارتباط الإيمان بالعمل ودأبه على لفت النظر إلى شمولية الإسلام باحتوائه على أدلة العقول وما يغذي أرباب القلوب وأهل الإرادات.
وقد فهم المؤلف مكانة ((الجهاد)) في الإسلام من اطلاعه على مؤلفات ابن تيمية.
ويرى شيخ الإسلام أن الجهاد مطلوب في كل الأزمنة، استنادًا إلى قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 38، 39].
وفي تفسيره لهذه الآيات القرآنية، يرى أن الخطاب موجه لكل الأزمنة وليس مخصوصًا بزمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما أخبر الله تعالى في آيات أخرى أنه من نكث عن الجهاد المأمور به عذبه واستبدل به من يقوم بالجهاد. ففي آية أخرى: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38] فقد أخبر الله تعالى أنه من يتول عن الجهاد بنفسه أو عن الإنفاق في سبيل الله يستبدل به[3].
ويصف ابن تيمية حال المتولي عن الجهاد بالجبان البخيل، يستبدل الله به من ينصر الإسلام وينفق فيه. وإن حياة الشيخ وجهاده المتواصل لتثبت أنه من علماء المسلمين الذين التقى عندهم العلم بالعمل.
هذا الكتاب الهام يحدثنا المؤلف مصطفى حلمى عن مدرسة ابن تيمية وموقفها من التصوف، فيبدأ المؤلف بالحديث عن المدرسة السلفية ويعرض لنا بشكل مجمل رأي ابن تيمية في التصور وكيف يرى تطوراته على مر التاريخ، وفي الفصل الثاني من الكتاب يعرض لنا الزهاد الأوائل ويضم إليهم الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أبي الدرداء وأبي ذر وسلمان الفارسي، ويعرض لنا مدارس الأمصار، فيبدأ بالمدينة ثم مدرسة مكة، ثم مدرسة الكوفة ثم البصرة، والشام، وبغداد وغيرها من البلاد، وفي كل بلد ظهر أحد أسلافنا ففي بغداد على سبيل المثال ظهر أحمد بن حنبل، ثم ينتقل المؤلف في الفصل الثالث ليعرض لنا موقف ابن تيمية من النظريات الصوفية، مثل الحلول والنظرية الجبرية والولي أفضل من النبي وغير ذلك من المسائل، وفي الفصل الرابع حدثنا عن الاتجاهات الروحية لابن تيمية.
ابن تيمية والتصوف من كتب إسلامية
قراءة و تحميل كتاب معارج القدس في مدارج معرفه النفس وتليها القصيدة الهائية والقصيدة التائية PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر تاريخها ونشاطها PDF مجانا