كتاب مناهج الحرية في الحضارة الإسلامية الحرية الدينيةكتب إسلامية

كتاب مناهج الحرية في الحضارة الإسلامية الحرية الدينية

كلما فكرت في موقف الإسلام من الحرية صدمتني أقوال بعض المفكرين المسلمين الذين يرون أن الحرية فرية غربية وليبرالية انحرافية لا أصل لها في الإسلام ولا تتفق مع روح الدين ويلوحون في وجهك بآية { وما خلقت الأنس والجن إلا ليعبدون} (الذاريات : 56 ) ليؤكدون على عبودية الخلق لله وأنهم لا حرية لهم. لكنني كنت دوما أتساءل : هل يعقل أن يهين الخالق سبحانه ويذل ذات المخلوق الذي سواه ونفخ فيه من روحه، وفضله على سائر مخلوقاته. هل يعقل أن يجرد الله سبحانه وتعالي الإنسان من حريته وارادته. بل أيهما أسلم أن يؤمن المرء بالله عن قناعة ورضي أم يكره على ذلك إكراها مثل السموات والأرض. إن حمل الأمانة التي أودعها الله الإنسان بقوله { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منه وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً} (الأحزاب : 72 ) تحتاج إلى قوة وإرادة وحرية واختيار. ما كان الله سبحانه ليحمل الإنسان كل هذه المسؤولية دون أن يعينه عليها بالحرية والإرادة. وهذا ما فعله الله الرؤوف الرحيم. تدبر آيات التكريم: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } ( الإسراء : 70 ) حينما تتأمل في هذه الآيات تجد أن أسمى مقامات هذا التكريم هو العقل الذي لم يتكرم به الله على غير الإنسان. والعقل هو مناط الحرية في أعلي درجاتها إذ من خلاله يتدبر الإنسان ويتفكر في ملكوت السموات والأرض وفي تكوينه {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (الذاريات : 21 ) فيقوده ذلك لمعرفة خالقه فيخضع له راضيا سعيدا مؤمنا بكامل ارادته وحريته لا ذليلا مكرها كالسموات والأرض وسائر المخلوقات الأخرى. وقفت كثيرا عند هذه الآيات وتجلت لي عظمة الله ورحمته في أجل صورها من خلال إنعامه على الإنسان بالحرية والعقل والإرادة. ولتأكيد أن العقل هو أسمى نعم الله على الإنسان زوده الله بمقومات هذا العقل،كما جاء في قوله سبحانه: { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} (النحل : 78 ) فالسمع والبصر والفؤاد-القلب- هي مقومات الوعي وركائز العقل. والله سبحانه وتعالي أنعم على الإنسان بهذه المقومات لينطلق في هذا الكون الفسيح متفكرا فيما حوله مثل طائر حر طليق يبني ويعمر ليحقق خلافة الله في الأرض . والإنسان لن يعمر بحق إلا إذا كان حرا طليقا، واعيا عاقلا، عالما بما يفعل لا متبعا أعمي. ولذا حذره الله سبحانه { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} ( الإسراء : 36 ) فالله يحذر الإنسان من أن يكون تابعا بغير علم لأنه سيكون مسوؤلا عن ذلك . فالإنسان عليه استخدام سمعه وبصره وفؤاده ليصل إلى الحقيقة عن علم لا أن يكون تابعا، خاضعا ذليلا، تابعا لغيره. وحتى يكون الإنسان عليما لا تابعا أعمي زاده الله شرفا وعزة وتمييزا بنعمة أخري، هي العلم ، ميزه بها حتي علي ملائكته الذين يسبحونه ليلا ونهارا لا يفترون. والعلم نعمة عظمي تحدي بها الله ملائكته ليثبت تفوق الإنسان على سائر المخلوقات. { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، فقال أنبئوني بأسماء هؤلا إن كنتم تعلمون . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ( البقرة : 31 -33 ). فحينما أراد الله سبحانه وتعالي لمخلوقه المدلل أن يهبط للأرض ليعمرها زوده بالعلم والعقل ومقوماته من سمع وبصر وفؤاد وأعطاه حرية استخدام هذه النعم { إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان : 3) ليسائله يوم القيامة. وما كان الله ليسائله ويحاكمه لولا أنه أعطاه كامل الحرية في استخدام نعمه حتي وإن طغي وتكبر لأن لكل شئ ميعاد { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} ( طه : 1298 ) ليس ذلك فحسب حتى الحساب يوم القيامة لا يكون إفتراءً و قهرا وإنما برهانا ودليلا : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} ( الإسراء : 13 ) وهذه قمة الحرية. وتتجلى الحرية التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان في أسمى معانيها من خلال موقف الخالق سبحانه من عصيان إبليس له عندما أمره بالسجود لآدم، هذا المخلوق المكرم المنعم بآجل النعم، فأبى وتكبر، حينما أستكبر إبليس وطغى لم يهلكه الله سبحانه وهو القادر على ذلك، لكن تحداه بعدم قدرته على إغواء عباده الصالحين الذي أكرمهم بالعلم والعقل وحرية الإرادة فإذا استخدموها بحقها فلن يجد إبليس إليهم سبيلا. ومن هنا فإن الصراع بين الإنسان والشيطان على الأرض هو صراع بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الحرية والقهر والإذلال وبين العلم والجهل. وتجلت الحرية التي وهبها الله سبحانه للإنسان في استخدام سيدنا إبراهيم عليه السلام عقله للوصول إلى حقيقة خالقه قال تعالي { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين. فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الأفلين. فلما رأى القمر بازغا ، قال هذا ربي ، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون. إنى وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين} (الأنعام : 75 – 79 ) ولم يكتف إبراهيم بهذه الآيات البينات للدلالة على ربه وإنما طلب برهانا أكثر قوة فطلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى فأجابه الله على ذلك بمنتهى الحرية ولم يقل له أنت مخلوق عليك أن تؤمن وكفى { قال ربي أرني كيف تحيي الموتي، قال أولم تؤمن، قال بلي ولكن ليطمئن قلبي} ( البقرة : 260) كان طلب إبراهيم عليه السلام إعمالا للعقل حتى يقف بما له به علم لا بما ليس به علم وليكون السمع والبصر والفؤاد شاهدا على ذلك. إن حوار الله مع إبليس وحوار إبراهيم مع ربه، بل وحوار موسى عليه السلام وتكليم الله له ،ليعبران أصدق تعبير عن الحرية التي وهبها الله لخلقه في أسمى وأجل صورها. فإذا كان الله لم يقهر الإنسان بل منحه كامل الحرية فلماذا يسعي بعض البشر لحرمان الإنسان حريته ؟! ومن هنا فإن الإنسان مطالب بالحرص على حريته التي أكرمه الله بها والدفاع عنها مهما كلفه ذلك لان الانتصار للحرية انتصار للدين وتحقيق لعدل الله الذي كرم به خلقه حينما وهبهم العقل والعلم. ومن ثم فإن أي دعوة لقهر الإنسان مهما كان دافعها فإنها دعوة لتغيير مراد خلق الله للإنسان. وإن السلم والاستقرار لا يتحققان إلا بالمحافظة على هذه الحرية والعض عليها بالنواجذ. وليعلم أهل السلطان والطغيان وفقهاء السلطان الذين يطالبون الناس بالخضوع مهما كان نوع الظلم الواقع عليهم بأن الله حذر عن الأكراه في الدين فكيف بالإكراه في الحكم. يقول الله سبحانه وتعالي { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} ويحذر نبيه حتي من إكراه الناس على عبادته سبحانه وتعالي بالإكراه { أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين} وهناك من يرى أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يشهر سيفا أو يأمر بقتال من رفض الإسلام ولكنه قاتل الذين وقفوا في سبيل دعوة الله بأموالهم وأنفسهم أو الذين خانوا العهد من اليهود والمشركين. ومن هنا فإنه إذا كان الله سبحانه يحذر من إكراه الناس على الدخول في الدين فالأولى أن لا يكره الناس على حاكم أو حكم لا يريدونه. بل الأسلم أن تتم رعاية الناس وحكمهم بإقامة العدل وتحقيق المساواة وإحقاق الحق ومحاربة الفساد ومنعه وإلا كان ذلك إفسادا في الأرض عاقبته جهنم وبئس المهاد، إذ يقول الله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} ( البقرة : 204 – 206) و من أقدر على إهلاك الحرث والنسل إلا أهل الحكم والسلطان. إن ولاية أمر الناس إنما تكون بالقبول والرضا فإن انتفى ذلك فإنه الإكراه الذي حذر الله منه. ومن ثم فإنه لا يحق لمسلم أن يتولي أمر الناس دون رضاهم. وعلى عامة الناس ، أو عقلائهم، أن يختاروا الوسيلة التي تحقق الحكم بالرضا والقبول، خلافة كانت ، ديمقراطية برلمانية كانت ، شورية كانت أو ما يتفقون عليه بوسيلة تضمن أن يدلي كل عاقل بدلوه ورأيه دون حجر ولا وصاية. إن وسائل الاتصال الحديثة ما هي في رأيي إلا نعمة من نعم الله لتأطير هذه الحرية وتسهيل أمر اختيار الناس لمن يتولي أمرهم طوعا واختيارا. ليس في ما ذكرنا أعلاه دعوة للشعوب المسلمة أن تثور على حكامها وولاتها ولكنها محاولة لتأصيل مفهوم الحرية في الإسلام حتي وإن لم يرد ذكر اسم الحرية صراحة في القرآن والحديث. فالحرية كما بدت لنا هي إعمال العقل وهي الإرادة التي وهبها الله سبحانه لخلقه ليقرروا من خلالها أي سبيل يسلكون سبيل الهدي أم الضلالة. والحرية في كنف الإنسان، كما بين الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، تماثل ذلك الطائر المحلق في جو السماء ما يمسكه إلا الله. فالطائر يطير حرا طليقا بقدرة الله وهكذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا يكون حرا طليقا لا يقيده إلا تقوى الله وهدايته. إن دعوتنا هذه دعوة لتأصيل مفهوم الحرية أمام أولئك الذين يريدون تجريد الإنسان المسلم من حريته التي وهبها الله له بدعوى أن الحرية كما يمارسها الغربيون ما هي إلا فساد وإفساد وإباحية محضة. لكن هل يعني انحراف الإنسان الغربي عن الحرية الصحيحة حرمان غيره منها. بل هناك من يدعي أن المسلمين غير أكفاء لتطبيق الحرية لأن معظمهم غير متعلم و لا يعرف معنى الحرية. إن تعليم الناس هو واجب ديني على الحكام وأهل الشأن القيام به حتي لا يبقى بين المسلمين جاهل. وجهل الناس ليس حجة يتم بها حرمانهم من أهم حقوقهم التي وهبها الله لهم. بل إن تعليم الناس كيف يمارسون الحرية وتطبيقها في كافة شؤون حياتهم لجدير بخلق مجتمع مثالي مستقر وتحقيق مجتمع السلم الذي بشر به الله سبحانه. إن دعوتنا هذه ليس دعوة للثورة لكنها دعوة للمطالبة بحق أصيل لأن فيه إعزاز المسلم وتكريمه في الدنيا مثلما كرمه الله يوم خلقه وسواه.
محمد عبد اللطيف الحسني - ولد في القدس الشريف إبان عهد الدولة العثمانية عام 1906، وتربى يتيما في كنف عمه وزوج أمه إبراهيم أدهم الحسيني، أما والده فهو ممتاز بن محمد بن عبد السلام الحسيني المولود في القدس في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وأمه زهراء بنت خضر بن محمد درس في الجامعة الأمريكية في القاهرة حيث حصل على درجة الليسانس في الآداب سنة 1933م، وكان من أوائل خريجي تلك الجامعة في القدس. كان خلال دراسته متميزا وحصل سنة 1932 على جائزة اللغة العربية وكانت عبارة عن كتابين وهما ديوان المتبني والرسالة العذراء لابن المدبر. وكان من زملائه في الدراسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة القائد البطل عبد القادر الحسيني، وكانا على صلة مودة قوية.❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مناهج الحرية في الحضارة الإسلامية الحرية الدينية ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : كلما فكرت في موقف الإسلام من الحرية صدمتني أقوال بعض المفكرين المسلمين الذين يرون أن الحرية فرية غربية وليبرالية انحرافية لا أصل لها في الإسلام ولا تتفق مع روح الدين ويلوحون في وجهك بآية { وما خلقت الأنس والجن إلا ليعبدون} (الذاريات : 56 ) ليؤكدون على عبودية الخلق لله وأنهم لا حرية لهم. لكنني كنت دوما أتساءل : هل يعقل أن يهين الخالق سبحانه ويذل ذات المخلوق الذي سواه ونفخ فيه من روحه، وفضله على سائر مخلوقاته.

هل يعقل أن يجرد الله سبحانه وتعالي الإنسان من حريته وارادته. بل أيهما أسلم أن يؤمن المرء بالله عن قناعة ورضي أم يكره على ذلك إكراها مثل السموات والأرض. إن حمل الأمانة التي أودعها الله الإنسان بقوله { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منه وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً} (الأحزاب : 72 ) تحتاج إلى قوة وإرادة وحرية واختيار.

ما كان الله سبحانه ليحمل الإنسان كل هذه المسؤولية دون أن يعينه عليها بالحرية والإرادة. وهذا ما فعله الله الرؤوف الرحيم. تدبر آيات التكريم: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } ( الإسراء : 70 ) حينما تتأمل في هذه الآيات تجد أن أسمى مقامات هذا التكريم هو العقل الذي لم يتكرم به الله على غير الإنسان. والعقل هو مناط الحرية في أعلي درجاتها إذ من خلاله يتدبر الإنسان ويتفكر في ملكوت السموات والأرض وفي تكوينه {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (الذاريات : 21 ) فيقوده ذلك لمعرفة خالقه فيخضع له راضيا سعيدا مؤمنا بكامل ارادته وحريته لا ذليلا مكرها كالسموات والأرض وسائر المخلوقات الأخرى.

وقفت كثيرا عند هذه الآيات وتجلت لي عظمة الله ورحمته في أجل صورها من خلال إنعامه على الإنسان بالحرية والعقل والإرادة. ولتأكيد أن العقل هو أسمى نعم الله على الإنسان زوده الله بمقومات هذا العقل،كما جاء في قوله سبحانه: { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} (النحل : 78 ) فالسمع والبصر والفؤاد-القلب- هي مقومات الوعي وركائز العقل. والله سبحانه وتعالي أنعم على الإنسان بهذه المقومات لينطلق في هذا الكون الفسيح متفكرا فيما حوله مثل طائر حر طليق يبني ويعمر ليحقق خلافة الله في الأرض .

والإنسان لن يعمر بحق إلا إذا كان حرا طليقا، واعيا عاقلا، عالما بما يفعل لا متبعا أعمي. ولذا حذره الله سبحانه { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} ( الإسراء : 36 ) فالله يحذر الإنسان من أن يكون تابعا بغير علم لأنه سيكون مسوؤلا عن ذلك .

فالإنسان عليه استخدام سمعه وبصره وفؤاده ليصل إلى الحقيقة عن علم لا أن يكون تابعا، خاضعا ذليلا، تابعا لغيره. وحتى يكون الإنسان عليما لا تابعا أعمي زاده الله شرفا وعزة وتمييزا بنعمة أخري، هي العلم ، ميزه بها حتي علي ملائكته الذين يسبحونه ليلا ونهارا لا يفترون. والعلم نعمة عظمي تحدي بها الله ملائكته ليثبت تفوق الإنسان على سائر المخلوقات. { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، فقال أنبئوني بأسماء هؤلا إن كنتم تعلمون . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ( البقرة : 31 -33 ).

فحينما أراد الله سبحانه وتعالي لمخلوقه المدلل أن يهبط للأرض ليعمرها زوده بالعلم والعقل ومقوماته من سمع وبصر وفؤاد وأعطاه حرية استخدام هذه النعم { إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان : 3) ليسائله يوم القيامة. وما كان الله ليسائله ويحاكمه لولا أنه أعطاه كامل الحرية في استخدام نعمه حتي وإن طغي وتكبر لأن لكل شئ ميعاد { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} ( طه : 1298 ) ليس ذلك فحسب حتى الحساب يوم القيامة لا يكون إفتراءً و قهرا وإنما برهانا ودليلا : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} ( الإسراء : 13 ) وهذه قمة الحرية.

وتتجلى الحرية التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان في أسمى معانيها من خلال موقف الخالق سبحانه من عصيان إبليس له عندما أمره بالسجود لآدم، هذا المخلوق المكرم المنعم بآجل النعم، فأبى وتكبر، حينما أستكبر إبليس وطغى لم يهلكه الله سبحانه وهو القادر على ذلك، لكن تحداه بعدم قدرته على إغواء عباده الصالحين الذي أكرمهم بالعلم والعقل وحرية الإرادة فإذا استخدموها بحقها فلن يجد إبليس إليهم سبيلا. ومن هنا فإن الصراع بين الإنسان والشيطان على الأرض هو صراع بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الحرية والقهر والإذلال وبين العلم والجهل. وتجلت الحرية التي وهبها الله سبحانه للإنسان في استخدام سيدنا إبراهيم عليه السلام عقله للوصول إلى حقيقة خالقه قال تعالي { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين.

فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الأفلين. فلما رأى القمر بازغا ، قال هذا ربي ، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون. إنى وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين} (الأنعام : 75 – 79 ) ولم يكتف إبراهيم بهذه الآيات البينات للدلالة على ربه وإنما طلب برهانا أكثر قوة فطلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى فأجابه الله على ذلك بمنتهى الحرية ولم يقل له أنت مخلوق عليك أن تؤمن وكفى { قال ربي أرني كيف تحيي الموتي، قال أولم تؤمن، قال بلي ولكن ليطمئن قلبي} ( البقرة : 260) كان طلب إبراهيم عليه السلام إعمالا للعقل حتى يقف بما له به علم لا بما ليس به علم وليكون السمع والبصر والفؤاد شاهدا على ذلك.

إن حوار الله مع إبليس وحوار إبراهيم مع ربه، بل وحوار موسى عليه السلام وتكليم الله له ،ليعبران أصدق تعبير عن الحرية التي وهبها الله لخلقه في أسمى وأجل صورها. فإذا كان الله لم يقهر الإنسان بل منحه كامل الحرية فلماذا يسعي بعض البشر لحرمان الإنسان حريته ؟! ومن هنا فإن الإنسان مطالب بالحرص على حريته التي أكرمه الله بها والدفاع عنها مهما كلفه ذلك لان الانتصار للحرية انتصار للدين وتحقيق لعدل الله الذي كرم به خلقه حينما وهبهم العقل والعلم. ومن ثم فإن أي دعوة لقهر الإنسان مهما كان دافعها فإنها دعوة لتغيير مراد خلق الله للإنسان. وإن السلم والاستقرار لا يتحققان إلا بالمحافظة على هذه الحرية والعض عليها بالنواجذ.

وليعلم أهل السلطان والطغيان وفقهاء السلطان الذين يطالبون الناس بالخضوع مهما كان نوع الظلم الواقع عليهم بأن الله حذر عن الأكراه في الدين فكيف بالإكراه في الحكم. يقول الله سبحانه وتعالي { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} ويحذر نبيه حتي من إكراه الناس على عبادته سبحانه وتعالي بالإكراه { أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين} وهناك من يرى أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يشهر سيفا أو يأمر بقتال من رفض الإسلام ولكنه قاتل الذين وقفوا في سبيل دعوة الله بأموالهم وأنفسهم أو الذين خانوا العهد من اليهود والمشركين. ومن هنا فإنه إذا كان الله سبحانه يحذر من إكراه الناس على الدخول في الدين فالأولى أن لا يكره الناس على حاكم أو حكم لا يريدونه.

بل الأسلم أن تتم رعاية الناس وحكمهم بإقامة العدل وتحقيق المساواة وإحقاق الحق ومحاربة الفساد ومنعه وإلا كان ذلك إفسادا في الأرض عاقبته جهنم وبئس المهاد، إذ يقول الله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} ( البقرة : 204 – 206) و من أقدر على إهلاك الحرث والنسل إلا أهل الحكم والسلطان. إن ولاية أمر الناس إنما تكون بالقبول والرضا فإن انتفى ذلك فإنه الإكراه الذي حذر الله منه.

ومن ثم فإنه لا يحق لمسلم أن يتولي أمر الناس دون رضاهم. وعلى عامة الناس ، أو عقلائهم، أن يختاروا الوسيلة التي تحقق الحكم بالرضا والقبول، خلافة كانت ، ديمقراطية برلمانية كانت ، شورية كانت أو ما يتفقون عليه بوسيلة تضمن أن يدلي كل عاقل بدلوه ورأيه دون حجر ولا وصاية. إن وسائل الاتصال الحديثة ما هي في رأيي إلا نعمة من نعم الله لتأطير هذه الحرية وتسهيل أمر اختيار الناس لمن يتولي أمرهم طوعا واختيارا. ليس في ما ذكرنا أعلاه دعوة للشعوب المسلمة أن تثور على حكامها وولاتها ولكنها محاولة لتأصيل مفهوم الحرية في الإسلام حتي وإن لم يرد ذكر اسم الحرية صراحة في القرآن والحديث.

فالحرية كما بدت لنا هي إعمال العقل وهي الإرادة التي وهبها الله سبحانه لخلقه ليقرروا من خلالها أي سبيل يسلكون سبيل الهدي أم الضلالة. والحرية في كنف الإنسان، كما بين الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، تماثل ذلك الطائر المحلق في جو السماء ما يمسكه إلا الله. فالطائر يطير حرا طليقا بقدرة الله وهكذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا يكون حرا طليقا لا يقيده إلا تقوى الله وهدايته.

إن دعوتنا هذه دعوة لتأصيل مفهوم الحرية أمام أولئك الذين يريدون تجريد الإنسان المسلم من حريته التي وهبها الله له بدعوى أن الحرية كما يمارسها الغربيون ما هي إلا فساد وإفساد وإباحية محضة. لكن هل يعني انحراف الإنسان الغربي عن الحرية الصحيحة حرمان غيره منها.

بل هناك من يدعي أن المسلمين غير أكفاء لتطبيق الحرية لأن معظمهم غير متعلم و لا يعرف معنى الحرية. إن تعليم الناس هو واجب ديني على الحكام وأهل الشأن القيام به حتي لا يبقى بين المسلمين جاهل. وجهل الناس ليس حجة يتم بها حرمانهم من أهم حقوقهم التي وهبها الله لهم.

بل إن تعليم الناس كيف يمارسون الحرية وتطبيقها في كافة شؤون حياتهم لجدير بخلق مجتمع مثالي مستقر وتحقيق مجتمع السلم الذي بشر به الله سبحانه. إن دعوتنا هذه ليس دعوة للثورة لكنها دعوة للمطالبة بحق أصيل لأن فيه إعزاز المسلم وتكريمه في الدنيا مثلما كرمه الله يوم خلقه وسواه.


عدد مرات التحميل : 11219 مرّة / مرات.
تم اضافته في : السبت , 26 مارس 2016م.
حجم الكتاب عند التحميل : 389.3 كيلوبايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

كلما فكرت في موقف الإسلام من الحرية صدمتني أقوال بعض المفكرين المسلمين الذين يرون أن الحرية فرية غربية وليبرالية انحرافية لا أصل لها في الإسلام ولا تتفق مع روح الدين ويلوحون في وجهك بآية { وما خلقت الأنس والجن إلا ليعبدون} (الذاريات : 56 ) ليؤكدون على عبودية الخلق لله وأنهم لا حرية لهم. لكنني كنت دوما أتساءل : هل يعقل أن يهين الخالق سبحانه ويذل ذات المخلوق الذي سواه ونفخ فيه من روحه، وفضله على سائر مخلوقاته. 

هل يعقل أن يجرد الله سبحانه وتعالي الإنسان من حريته وارادته. بل أيهما أسلم أن يؤمن المرء بالله عن قناعة ورضي أم يكره على ذلك إكراها مثل السموات والأرض. إن حمل الأمانة التي أودعها الله الإنسان بقوله { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منه وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً} (الأحزاب : 72 ) تحتاج إلى قوة وإرادة وحرية واختيار. 

ما كان الله سبحانه ليحمل الإنسان كل هذه المسؤولية دون أن يعينه عليها بالحرية والإرادة. وهذا ما فعله الله الرؤوف الرحيم. تدبر آيات التكريم: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا }  ( الإسراء : 70 ) حينما تتأمل في هذه الآيات تجد أن أسمى مقامات هذا التكريم هو العقل الذي لم يتكرم به الله على غير الإنسان. والعقل هو مناط الحرية في أعلي درجاتها إذ من خلاله يتدبر الإنسان ويتفكر في ملكوت السموات والأرض وفي تكوينه {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}  (الذاريات : 21 ) فيقوده ذلك لمعرفة خالقه فيخضع له راضيا سعيدا مؤمنا بكامل ارادته وحريته لا ذليلا مكرها كالسموات والأرض وسائر المخلوقات الأخرى.

 وقفت كثيرا عند هذه الآيات وتجلت لي عظمة الله ورحمته في أجل صورها من خلال إنعامه على الإنسان بالحرية والعقل والإرادة. ولتأكيد أن العقل هو أسمى نعم الله على الإنسان زوده الله بمقومات هذا العقل،كما جاء في قوله سبحانه: { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}   (النحل : 78 ) فالسمع والبصر والفؤاد-القلب- هي مقومات الوعي وركائز العقل. والله سبحانه وتعالي أنعم على الإنسان بهذه المقومات لينطلق في هذا الكون الفسيح متفكرا فيما حوله مثل طائر حر طليق يبني ويعمر ليحقق خلافة الله في الأرض . 

والإنسان لن يعمر بحق إلا إذا كان حرا طليقا، واعيا عاقلا، عالما بما يفعل لا متبعا أعمي. ولذا حذره الله سبحانه { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} ( الإسراء : 36 ) فالله يحذر الإنسان من أن يكون تابعا بغير علم لأنه سيكون مسوؤلا عن ذلك . 

فالإنسان عليه استخدام سمعه وبصره وفؤاده ليصل إلى الحقيقة عن علم لا أن يكون تابعا، خاضعا ذليلا، تابعا لغيره. وحتى يكون الإنسان عليما لا تابعا أعمي زاده الله شرفا وعزة وتمييزا بنعمة أخري، هي العلم ، ميزه بها حتي علي ملائكته الذين يسبحونه ليلا ونهارا لا يفترون. والعلم نعمة عظمي تحدي بها الله ملائكته ليثبت تفوق الإنسان على سائر المخلوقات. { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، فقال أنبئوني بأسماء هؤلا إن كنتم تعلمون . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ( البقرة : 31 -33 ).

 فحينما أراد الله سبحانه وتعالي لمخلوقه المدلل أن يهبط للأرض ليعمرها زوده بالعلم والعقل ومقوماته من سمع وبصر وفؤاد وأعطاه حرية استخدام هذه النعم { إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان : 3)  ليسائله يوم القيامة. وما كان الله ليسائله ويحاكمه لولا أنه أعطاه كامل الحرية في استخدام نعمه حتي وإن طغي وتكبر لأن لكل شئ ميعاد { ولولا كلمة سبقت من ربك  لكان لزاما وأجل مسمى}  ( طه : 1298 ) ليس ذلك فحسب حتى الحساب يوم القيامة لا يكون إفتراءً و قهرا وإنما برهانا ودليلا : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}  ( الإسراء : 13 ) وهذه قمة الحرية. 

وتتجلى الحرية التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان في أسمى معانيها من خلال موقف الخالق سبحانه من عصيان إبليس له عندما أمره بالسجود لآدم، هذا المخلوق المكرم المنعم بآجل النعم، فأبى وتكبر، حينما أستكبر إبليس وطغى لم يهلكه الله سبحانه وهو القادر على ذلك، لكن تحداه بعدم قدرته على إغواء عباده الصالحين الذي أكرمهم بالعلم والعقل وحرية الإرادة فإذا استخدموها بحقها فلن يجد إبليس إليهم سبيلا. ومن هنا فإن الصراع بين الإنسان والشيطان على الأرض هو صراع بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الحرية والقهر والإذلال وبين العلم والجهل. وتجلت الحرية التي وهبها الله سبحانه للإنسان في استخدام سيدنا إبراهيم عليه السلام عقله للوصول إلى حقيقة خالقه قال تعالي  { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين. 

فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الأفلين. فلما رأى القمر بازغا ، قال هذا ربي ، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون. إنى وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين} (الأنعام : 75 – 79 ) ولم يكتف إبراهيم بهذه الآيات البينات للدلالة على ربه وإنما طلب برهانا أكثر قوة فطلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى فأجابه الله على ذلك بمنتهى الحرية ولم يقل له أنت مخلوق عليك أن تؤمن وكفى { قال ربي أرني كيف تحيي الموتي، قال أولم تؤمن، قال بلي ولكن ليطمئن قلبي} ( البقرة : 260) كان طلب إبراهيم عليه السلام إعمالا للعقل حتى يقف بما له به علم لا بما ليس به علم وليكون السمع والبصر والفؤاد شاهدا على ذلك. 

إن حوار الله مع إبليس وحوار إبراهيم مع ربه، بل وحوار موسى عليه السلام وتكليم الله له ،ليعبران أصدق تعبير عن الحرية التي وهبها الله لخلقه في أسمى وأجل صورها. فإذا كان الله لم يقهر الإنسان بل منحه كامل الحرية فلماذا يسعي بعض البشر لحرمان الإنسان حريته ؟! ومن هنا فإن الإنسان مطالب بالحرص على حريته التي أكرمه الله بها والدفاع عنها مهما كلفه ذلك لان الانتصار للحرية انتصار للدين وتحقيق لعدل الله الذي كرم به خلقه حينما وهبهم العقل والعلم. ومن ثم فإن أي دعوة لقهر الإنسان مهما كان دافعها فإنها دعوة لتغيير مراد خلق الله للإنسان. وإن السلم والاستقرار لا يتحققان إلا بالمحافظة على هذه الحرية والعض عليها بالنواجذ. 

وليعلم أهل السلطان والطغيان وفقهاء السلطان الذين يطالبون الناس بالخضوع مهما كان نوع الظلم الواقع عليهم بأن الله حذر عن الأكراه في الدين فكيف بالإكراه في الحكم. يقول الله سبحانه وتعالي { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} ويحذر نبيه حتي من إكراه الناس على عبادته سبحانه وتعالي بالإكراه { أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين} وهناك من يرى أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يشهر سيفا أو يأمر بقتال من رفض الإسلام ولكنه قاتل الذين وقفوا في سبيل دعوة الله بأموالهم وأنفسهم أو الذين خانوا العهد من اليهود والمشركين. ومن هنا فإنه إذا كان الله سبحانه يحذر من إكراه الناس على الدخول في الدين فالأولى أن لا يكره الناس على حاكم أو حكم لا يريدونه. 

بل الأسلم أن تتم رعاية الناس وحكمهم بإقامة العدل وتحقيق المساواة وإحقاق الحق ومحاربة الفساد ومنعه وإلا كان ذلك إفسادا في الأرض عاقبته جهنم وبئس المهاد، إذ يقول الله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}  ( البقرة : 204 – 206) و من أقدر على إهلاك الحرث والنسل إلا أهل الحكم والسلطان. إن ولاية أمر الناس إنما تكون بالقبول والرضا فإن انتفى ذلك فإنه الإكراه الذي حذر الله منه.

 ومن ثم فإنه لا يحق لمسلم أن يتولي أمر الناس دون رضاهم. وعلى عامة الناس ، أو عقلائهم، أن يختاروا الوسيلة التي تحقق الحكم بالرضا والقبول، خلافة كانت ، ديمقراطية برلمانية كانت ، شورية كانت أو ما يتفقون عليه بوسيلة تضمن أن يدلي كل عاقل بدلوه ورأيه دون حجر ولا وصاية. إن وسائل الاتصال الحديثة ما هي في رأيي إلا نعمة من نعم الله لتأطير هذه الحرية وتسهيل أمر اختيار الناس لمن يتولي أمرهم طوعا واختيارا. ليس في ما ذكرنا أعلاه دعوة للشعوب المسلمة أن تثور على حكامها وولاتها ولكنها محاولة لتأصيل مفهوم الحرية في الإسلام حتي وإن لم يرد ذكر اسم الحرية صراحة في القرآن والحديث. 

فالحرية كما بدت لنا هي إعمال العقل  وهي الإرادة التي وهبها الله سبحانه لخلقه ليقرروا من خلالها أي سبيل يسلكون سبيل الهدي أم الضلالة. والحرية في كنف الإنسان، كما بين الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، تماثل ذلك الطائر المحلق في جو السماء ما يمسكه إلا الله. فالطائر يطير حرا طليقا بقدرة الله وهكذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا يكون حرا طليقا لا يقيده إلا تقوى الله وهدايته.

 إن دعوتنا هذه دعوة لتأصيل مفهوم الحرية أمام أولئك الذين يريدون تجريد الإنسان المسلم من حريته التي وهبها الله له بدعوى أن الحرية كما يمارسها الغربيون ما هي إلا فساد وإفساد وإباحية محضة. لكن هل يعني انحراف الإنسان الغربي عن الحرية الصحيحة حرمان غيره منها. 

بل هناك من يدعي أن المسلمين غير أكفاء لتطبيق الحرية لأن معظمهم غير متعلم و لا يعرف معنى الحرية. إن تعليم الناس هو واجب ديني على الحكام وأهل الشأن القيام به حتي لا يبقى بين المسلمين جاهل. وجهل الناس ليس حجة يتم بها حرمانهم من أهم حقوقهم التي وهبها الله لهم. 

بل إن تعليم الناس كيف يمارسون الحرية وتطبيقها في كافة شؤون حياتهم لجدير بخلق مجتمع مثالي مستقر وتحقيق مجتمع السلم الذي بشر به الله سبحانه. إن دعوتنا هذه ليس دعوة للثورة لكنها دعوة للمطالبة بحق أصيل لأن فيه إعزاز المسلم وتكريمه في الدنيا مثلما كرمه الله يوم خلقه وسواه.

مناهج الحرية في الحضارة الإسلامية الحرية الدينية

من كتب إسلامية



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل مناهج الحرية في الحضارة الإسلامية الحرية الدينية
محمد عبد اللطيف الحسني
محمد عبد اللطيف الحسني
Mohammed Abdul Latif Al Hassani
ولد في القدس الشريف إبان عهد الدولة العثمانية عام 1906، وتربى يتيما في كنف عمه وزوج أمه إبراهيم أدهم الحسيني، أما والده فهو ممتاز بن محمد بن عبد السلام الحسيني المولود في القدس في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وأمه زهراء بنت خضر بن محمد درس في الجامعة الأمريكية في القاهرة حيث حصل على درجة الليسانس في الآداب سنة 1933م، وكان من أوائل خريجي تلك الجامعة في القدس. كان خلال دراسته متميزا وحصل سنة 1932 على جائزة اللغة العربية وكانت عبارة عن كتابين وهما ديوان المتبني والرسالة العذراء لابن المدبر. وكان من زملائه في الدراسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة القائد البطل عبد القادر الحسيني، وكانا على صلة مودة قوية. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مناهج الحرية في الحضارة الإسلامية الحرية الدينية ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب إسلامية متنوعة

قيمة الإسناد PDF

قراءة و تحميل كتاب قيمة الإسناد PDF مجانا

حوار مع أهل الكتاب / ج 1 PDF

قراءة و تحميل كتاب حوار مع أهل الكتاب / ج 1 PDF مجانا

وثاقة نقل النص القرآني من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امته PDF

قراءة و تحميل كتاب وثاقة نقل النص القرآني من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امته PDF مجانا

محاضرات في علوم القرآن (الجامعة الأمريكية) PDF

قراءة و تحميل كتاب محاضرات في علوم القرآن (الجامعة الأمريكية) PDF مجانا

منهجية الحوار في القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب منهجية الحوار في القرآن الكريم PDF مجانا

انتشار الإسلام في شرقي أفريقية ومناهضة الغرب له PDF

قراءة و تحميل كتاب انتشار الإسلام في شرقي أفريقية ومناهضة الغرب له PDF مجانا

تعريف بالقرآن PDF

قراءة و تحميل كتاب تعريف بالقرآن PDF مجانا

نظرات في الإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب نظرات في الإسلام PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..