كتاب المحنكتب التاريخ

كتاب المحن

نبذة عن الكتاب : شهدت الفترة الزمنية التي عاش فيهاأبو العرب التميمي (251 - 333هـ) أهم المتغيرات الكبرى في تاريخنا السياسي والفكريوالحضاري , وحفلت بالمتضادات أو المتناقضات الكبرى, ففي هذه المرحلة بلغت الثقافةوالحضارة الإسلامية أَوَج ازدهارها ونُضجها, فهي مرحلة التقدم العلمي، والنشاطوالإبداع الفكري الواسع في مختلف العلوم والفنون (التفسير والحديث والتاريخ واللغةوالأدب والطب والكيمياء والفلك... إلخ). وفيها بلغ التفاعل الواعي والمتميز معالحضارات والثقافات الأخرى أقصاه؛ ولهذا فقد كان المستشرق "آدم متز" محـقًّاعندما أطلق على هذه الحقبة وصف "عصر النهضة في الإسلام" وبجانب هذه الصورةالإيجابية المشرقة, نجد أن هذه المرحلة قد حملت في طياتها بذور انحطاطها وتدهورها,فقد بدأ الضعف والانحلال يسريان تدريجيًّا في جسم الخلافة الإسلامية (الدولةالمركزية) منذ بداية العصر العبَّاسي الثاني, الذي ضعفت فيه الخلافة, وضاعت بينالمتغلبين عليها من قادة الترك والديلم, وأصبحت أحياناً أُلعوبةً بيد النساءوالجواري في قصور الخلافة, وحتى انفراط عقدها وتمزق وحدتها بقيام الدويلاتالمستقلة, حيث تغلَّب الطامحون من الولاة أو الزعماء المحليين على مناطق نفوذهم واستقلوابحكمها, فلم يبق في يد الخليفة - في بعض الأحيان - إلا بغداد وضواحيها. وفي كثيرٍمن الأحيان لم يكتف هؤلاء الطامحون بالسيطرة على ما تحت أيديهم فحسب, بل سعىمعظمهم إلى بسط سيطرته ومد نفوذه على حساب غيره, فنشأ عن ذلك سلسلة من الحروبالطاحنة فيما بين هذه الدويلات, أدَّت إلى انتشار الفوضى والفتن, وغياب الأمنوالاستقرار. ومن الناحية الاجتماعية: فقد ساد في المجتمعحالة من الرفاهية والترف الزائد عن الحد إلى جانب البؤس والفقر المدقع, إذ تركزتالثروات الضخمة في أيدي القلة (الخلفاء والأمراء وذوي المناصب ومن يلوذ بهم منالخاصة والمغامرين) وانتشر الفقر والفاقة في صفوف الشعب, وتفشَّت الأمراض والمجاعاتوالأوبئة الفتَّاكة. ومن الناحية الفكرية: فقد كانت معظم هذه الدول المستقلة ذات طابع عقائدي ومذهبي, إذ كان لكل منها منهجها ومذهَبها الأصوليوالفقهي الخاص بها، الذي جعلته مسوغاً لدعوتها الانفصالية ومبرراً لخروجها علىسلطة الخلافة وطاعتها, كما اتخذت منه أساساً ومرتكزاً لنظام حُكمها ومسوغاًلشرعيته بعد انفصالها عن الدولة المركزية, ومن ثم فكما اعتمدت هذه الدُّويلات علىالقوة للاحتفاظ بالحكم واستخدام أساليب البطش والتَّنكيل بمعارضيها السياسيين فقداعتمد (أغلبها) على نشر مذهبها في المناطق الَّتي تحت سيطرتها وفرضه بالقوة وقمعكافة الآراء والأفكار المخالفة لذلك المذهب. وفي كتاب "المحن" - الذيبين أيدينا - إشارات كثيرة إلى هذا الجانب, فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكرهالمؤلف (ص294) عن تعذيب الفاطميين وقتلهم لمؤذن مسجد ابن عياش بالقيروان, في السنةالتي استولوا فيها على القيروان سنة 296 هـ ؛ لأنه لم يؤذن بـ"حي على خيرالعمل" فقد ضرب هذا المؤذن بالسياط وسُلَّ (قطع) لسانه, وعُلِّق بين عينيه,وطِيفَ به على حِمَارٍ، ثم قُتِل وصُلِب. وقد كان لتدخل السلطة في هذاالجانب أفدح النتائج وأوخم العواقب, إذ أدَّى إلى استفحال التَّعصب الفكريوالمذهبي واستحكام العداوة بين أتباع المذاهب, كما أسفر عن شيوع ظاهرة الاستبدادبالرأي وفرض الرأي والمذهب الواحد، واستبعاد ما عداه, وما ترتب عليه - لاحقًا - منإغلاق باب الاجتهاد الذي أدى إلى غياب الأصالة, وتراجع الابتكار والتجديد الفكريوالحضاري تدريجيًّا وحلَّ محلَّها التقليد والمحاكاة واجترار الماضي, فأصيب الفكروالعقل الإسلامي من جرَّاء ذلك بالشَّلل والجمود والعجز عن التجديد والإضافة. وقد انعكست ملامح هذا العصر بشقيهالإيجابي والسلبي, على حياة أبي العرب التميمي وفكره, وعلى موضوع كتابه"المحن" أيضاً. فمن الناحية الإيجابية: كان أبو العرب التميمي أحد أبرزعلماء عصره الذين أسهموا في رفد الفكر الإسلامي بالعديد من المؤلفات والكتبالقيِّمة. ويستحسن أن نورد فيما يلي ترجمة موجزة للمؤلف: فهو محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي أبو العرب، ينتمي إلى قبيلة بني تميم التي انتقل بعض أفرادها إلى الشمالالإفريقي مع جيوش الفتح الإسلامي وبعده، ومنهم بنو الأغلب الذين استقلوا بحكمإفريقية (تونس حاليًّا وغرب ليبيا وشرق الجزائر)، في الفترة مابين سَنَتي 184 -296هـ. وامتد سلطانهم إلى معظم جزر البحر الأبيض المتوسط المقابلة لهم ومن أبرزها صقلية. اشتغل أبو العرببطلب العلم، فكان شغوفاً به ومحبًّا له على عكس أقرانه من أفراد أسرته الذين تمتتنشئتهم تنشئة أبناء السلاطين والأمراء، فأخذ على أصحاب سحنون، وثابر في طلب العلمإلى أن وصل إلى مرتبة الاجتهاد والإفتاء على مذهب الإمام مالك، وصنَّف العديد من المؤلفاتوالكتب القيمة. تطرق الكتاب في مجمله إلى الموضوعات الآتية: 1-بعد أن افتتح المؤلف كتابه بمجموعة من الأحاديث النبوية عن الابتلاء، ذكر بالتفصيل مقتل الخلفاء الراشدين الثلاثة (عمر، وعثمان، وعلي) وتلاه ذكر قتل عمار بن ياسر وطلحة والزبير. 2-الإشارة إلى قتلى الجمل وصفين، ومن قتل على يد الخوارج، وذكر قتل الحسين بن علي ومن قتل بالحرَّة، وذكر قتل عبدالله بن الزبير ومن قتل في حروبه. 3-ذكر من قتله الحجّاج من العلماء ممن خرج مع ابن الأشعث ومن قُتل يوم الجماجم من أهل العلم. 4-ذكر من تعرض من الصحابة والتابعين وأهل العلم للامتحان بالترويع أو الضرب أو الحبس والنفي... إلخ... بمن في ذلك من تعرض للامتحان في محنة خلق القرآن. 5- ذكر من تعرض للامتحان من معاصري المؤلف على يد الأغالبة وخاصة في عهد إبراهيم من الأغلب (ت289ه) أو على يد الدولة الفاطمية. هدف المؤلف من تأليف كتابه هو تلمس العزاء والأسوة لأولئك المضطهدين في عصره، إلاّ أن المتأمل للكتاب يستطيع بسهولة إدراك الأهداف الأخرى التي يتوخاها من وراء هذا الكتاب، والتي لم يصرح بها والمتمثلة في التحريض على الثورة، ومقاومة الجور والدعوة إلى التغيير.
محمد بن أحمد أبو العرب التميمي - محمد بن أحمد بن تميم التميمي المغربي الإفريقي، أبو العرب التميمي : مؤرخ، حافظ للحديث، من أهل القيروان بإفريقية. كان جده من أمرائها. احترف تربية أولاد العرب ونسخ الكتب، وقيل: كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب. تاريخ مولده ووفاته (251 - 333 هـ = 865 - 945 م) قال القاضي عياض: ودارت عليه محنة من الشيعي - الفاطمي - حبسه وقيده مع ابنه، مدة بسبب بني الأغلب. وهو أحد من خرج لحرب الفاطميين (بني عبيد) وحضر حصار «المهدية» مع مخلد بن كيداز ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المحن ❝ الناشرين : ❞ دار الغرب الإسلامي ❝ ❱
من كتب تاريخ العالم العربي - مكتبة كتب التاريخ.

وصف الكتاب : نبذة عن الكتاب :

شهدت الفترة الزمنية التي عاش فيهاأبو العرب التميمي (251 - 333هـ) أهم المتغيرات الكبرى في تاريخنا السياسي والفكريوالحضاري , وحفلت بالمتضادات أو المتناقضات الكبرى, ففي هذه المرحلة بلغت الثقافةوالحضارة الإسلامية أَوَج ازدهارها ونُضجها, فهي مرحلة التقدم العلمي، والنشاطوالإبداع الفكري الواسع في مختلف العلوم والفنون (التفسير والحديث والتاريخ واللغةوالأدب والطب والكيمياء والفلك... إلخ).

وفيها بلغ التفاعل الواعي والمتميز معالحضارات والثقافات الأخرى أقصاه؛ ولهذا فقد كان المستشرق "آدم متز" محـقًّاعندما أطلق على هذه الحقبة وصف "عصر النهضة في الإسلام"

وبجانب هذه الصورةالإيجابية المشرقة, نجد أن هذه المرحلة قد حملت في طياتها بذور انحطاطها وتدهورها,فقد بدأ الضعف والانحلال يسريان تدريجيًّا في جسم الخلافة الإسلامية (الدولةالمركزية) منذ بداية العصر العبَّاسي الثاني, الذي ضعفت فيه الخلافة, وضاعت بينالمتغلبين عليها من قادة الترك والديلم, وأصبحت أحياناً أُلعوبةً بيد النساءوالجواري في قصور الخلافة, وحتى انفراط عقدها وتمزق وحدتها بقيام الدويلاتالمستقلة, حيث تغلَّب الطامحون من الولاة أو الزعماء المحليين على مناطق نفوذهم واستقلوابحكمها, فلم يبق في يد الخليفة - في بعض الأحيان - إلا بغداد وضواحيها.

وفي كثيرٍمن الأحيان لم يكتف هؤلاء الطامحون بالسيطرة على ما تحت أيديهم فحسب, بل سعىمعظمهم إلى بسط سيطرته ومد نفوذه على حساب غيره, فنشأ عن ذلك سلسلة من الحروبالطاحنة فيما بين هذه الدويلات, أدَّت إلى انتشار الفوضى والفتن, وغياب الأمنوالاستقرار.

ومن الناحية الاجتماعية: فقد ساد في المجتمعحالة من الرفاهية والترف الزائد عن الحد إلى جانب البؤس والفقر المدقع, إذ تركزتالثروات الضخمة في أيدي القلة (الخلفاء والأمراء وذوي المناصب ومن يلوذ بهم منالخاصة والمغامرين) وانتشر الفقر والفاقة في صفوف الشعب, وتفشَّت الأمراض والمجاعاتوالأوبئة الفتَّاكة.

ومن الناحية الفكرية: فقد كانت معظم هذه الدول المستقلة ذات طابع عقائدي ومذهبي, إذ كان لكل منها منهجها ومذهَبها الأصوليوالفقهي الخاص بها، الذي جعلته مسوغاً لدعوتها الانفصالية ومبرراً لخروجها علىسلطة الخلافة وطاعتها, كما اتخذت منه أساساً ومرتكزاً لنظام حُكمها ومسوغاًلشرعيته بعد انفصالها عن الدولة المركزية, ومن ثم فكما اعتمدت هذه الدُّويلات علىالقوة للاحتفاظ بالحكم واستخدام أساليب البطش والتَّنكيل بمعارضيها السياسيين فقداعتمد (أغلبها) على نشر مذهبها في المناطق الَّتي تحت سيطرتها وفرضه بالقوة وقمعكافة الآراء والأفكار المخالفة لذلك المذهب.

وفي كتاب "المحن" - الذيبين أيدينا - إشارات كثيرة إلى هذا الجانب, فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكرهالمؤلف (ص294) عن تعذيب الفاطميين وقتلهم لمؤذن مسجد ابن عياش بالقيروان, في السنةالتي استولوا فيها على القيروان سنة 296 هـ ؛ لأنه لم يؤذن بـ"حي على خيرالعمل" فقد ضرب هذا المؤذن بالسياط وسُلَّ (قطع) لسانه, وعُلِّق بين عينيه,وطِيفَ به على حِمَارٍ، ثم قُتِل وصُلِب.

وقد كان لتدخل السلطة في هذاالجانب أفدح النتائج وأوخم العواقب, إذ أدَّى إلى استفحال التَّعصب الفكريوالمذهبي واستحكام العداوة بين أتباع المذاهب, كما أسفر عن شيوع ظاهرة الاستبدادبالرأي وفرض الرأي والمذهب الواحد، واستبعاد ما عداه, وما ترتب عليه - لاحقًا - منإغلاق باب الاجتهاد الذي أدى إلى غياب الأصالة, وتراجع الابتكار والتجديد الفكريوالحضاري تدريجيًّا وحلَّ محلَّها التقليد والمحاكاة واجترار الماضي, فأصيب الفكروالعقل الإسلامي من جرَّاء ذلك بالشَّلل والجمود والعجز عن التجديد والإضافة.

وقد انعكست ملامح هذا العصر بشقيهالإيجابي والسلبي, على حياة أبي العرب التميمي وفكره, وعلى موضوع كتابه"المحن" أيضاً. فمن الناحية الإيجابية: كان أبو العرب التميمي أحد أبرزعلماء عصره الذين أسهموا في رفد الفكر الإسلامي بالعديد من المؤلفات والكتبالقيِّمة. ويستحسن أن نورد فيما يلي ترجمة موجزة للمؤلف:

فهو محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي أبو العرب، ينتمي إلى قبيلة بني تميم التي انتقل بعض أفرادها إلى الشمالالإفريقي مع جيوش الفتح الإسلامي وبعده، ومنهم بنو الأغلب الذين استقلوا بحكمإفريقية (تونس حاليًّا وغرب ليبيا وشرق الجزائر)، في الفترة مابين سَنَتي 184 -296هـ. وامتد سلطانهم إلى معظم جزر البحر الأبيض المتوسط المقابلة لهم ومن أبرزها صقلية.

اشتغل أبو العرببطلب العلم، فكان شغوفاً به ومحبًّا له على عكس أقرانه من أفراد أسرته الذين تمتتنشئتهم تنشئة أبناء السلاطين والأمراء، فأخذ على أصحاب سحنون، وثابر في طلب العلمإلى أن وصل إلى مرتبة الاجتهاد والإفتاء على مذهب الإمام مالك، وصنَّف العديد من المؤلفاتوالكتب القيمة.

تطرق الكتاب في مجمله إلى الموضوعات الآتية:

1-بعد أن افتتح المؤلف كتابه بمجموعة من الأحاديث النبوية عن الابتلاء، ذكر بالتفصيل مقتل الخلفاء الراشدين الثلاثة (عمر، وعثمان، وعلي) وتلاه ذكر قتل عمار بن ياسر وطلحة والزبير.

2-الإشارة إلى قتلى الجمل وصفين، ومن قتل على يد الخوارج، وذكر قتل الحسين بن علي ومن قتل بالحرَّة، وذكر قتل عبدالله بن الزبير ومن قتل في حروبه.

3-ذكر من قتله الحجّاج من العلماء ممن خرج مع ابن الأشعث ومن قُتل يوم الجماجم من أهل العلم.

4-ذكر من تعرض من الصحابة والتابعين وأهل العلم للامتحان بالترويع أو الضرب أو الحبس والنفي... إلخ... بمن في ذلك من تعرض للامتحان في محنة خلق القرآن.

5- ذكر من تعرض للامتحان من معاصري المؤلف على يد الأغالبة وخاصة في عهد إبراهيم من الأغلب (ت289ه) أو على يد الدولة الفاطمية.

هدف المؤلف من تأليف كتابه هو تلمس العزاء والأسوة لأولئك المضطهدين في عصره، إلاّ أن المتأمل للكتاب يستطيع بسهولة إدراك الأهداف الأخرى التي يتوخاها من وراء هذا الكتاب، والتي لم يصرح بها والمتمثلة في التحريض على الثورة، ومقاومة الجور والدعوة إلى التغيير.


للكاتب/المؤلف : محمد بن أحمد أبو العرب التميمي .
دار النشر : دار الغرب الإسلامي .
سنة النشر : 2006م / 1427هـ .
عدد مرات التحميل : 12082 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الإثنين , 21 مارس 2016م.
حجم الكتاب عند التحميل : 10 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

نبذة عن الكتاب :

تطرق الكتاب في مجمله إلى الموضوعات الآتية:

1-بعد أن افتتح المؤلف كتابه بمجموعة من الأحاديث النبوية عن الابتلاء، ذكر بالتفصيل مقتل الخلفاء الراشدين الثلاثة (عمر، وعثمان، وعلي) وتلاه ذكر قتل عمار بن ياسر وطلحة والزبير.

2-الإشارة إلى قتلى الجمل وصفين، ومن قتل على يد الخوارج، وذكر قتل الحسين بن علي ومن قتل بالحرَّة، وذكر قتل عبدالله بن الزبير ومن قتل في حروبه. 

3-ذكر من قتله الحجّاج من العلماء ممن خرج مع ابن الأشعث ومن قُتل يوم الجماجم من أهل العلم.

4-ذكر من تعرض من الصحابة والتابعين وأهل العلم للامتحان بالترويع أو الضرب أو الحبس والنفي... إلخ... بمن في ذلك من تعرض للامتحان في محنة خلق القرآن.

5- ذكر من تعرض للامتحان من معاصري المؤلف على يد الأغالبة وخاصة في عهد إبراهيم من الأغلب (ت289ه) أو على يد الدولة الفاطمية.

هدف المؤلف من تأليف كتابه هو تلمس العزاء والأسوة لأولئك المضطهدين في عصره، إلاّ أن المتأمل للكتاب يستطيع بسهولة إدراك الأهداف الأخرى التي يتوخاها من وراء هذا الكتاب، والتي لم يصرح بها والمتمثلة في التحريض على الثورة، ومقاومة الجور والدعوة إلى التغيير.
 

شهدت الفترة الزمنية التي عاش فيهاأبو العرب التميمي (251 - 333هـ) أهم المتغيرات الكبرى في تاريخنا السياسي والفكريوالحضاري , وحفلت بالمتضادات أو المتناقضات الكبرى, ففي هذه المرحلة بلغت الثقافةوالحضارة الإسلامية أَوَج ازدهارها ونُضجها, فهي مرحلة التقدم العلمي، والنشاطوالإبداع الفكري الواسع في مختلف العلوم والفنون (التفسير والحديث والتاريخ واللغةوالأدب والطب والكيمياء والفلك... إلخ). وفيها بلغ التفاعل الواعي والمتميز معالحضارات والثقافات الأخرى أقصاه؛ ولهذا فقد كان المستشرق "آدم متز" محـقًّاعندما أطلق على هذه الحقبة وصف "عصر النهضة في الإسلام"([1]) وبجانب هذه الصورةالإيجابية المشرقة, نجد أن هذه المرحلة قد حملت في طياتها بذور انحطاطها وتدهورها,فقد بدأ الضعف والانحلال يسريان تدريجيًّا في جسم الخلافة الإسلامية (الدولةالمركزية) منذ بداية العصر العبَّاسي الثاني, الذي ضعفت فيه الخلافة, وضاعت بينالمتغلبين عليها من قادة الترك والديلم, وأصبحت أحياناً أُلعوبةً بيد النساءوالجواري في قصور الخلافة, وحتى انفراط عقدها وتمزق وحدتها بقيام الدويلاتالمستقلة, حيث تغلَّب الطامحون من الولاة أو الزعماء المحليين على مناطق نفوذهم واستقلوابحكمها, فلم يبق في يد الخليفة - في بعض الأحيان - إلا بغداد وضواحيها. وفي كثيرٍمن الأحيان لم يكتف هؤلاء الطامحون بالسيطرة على ما تحت أيديهم فحسب, بل سعىمعظمهم إلى بسط سيطرته ومد نفوذه على حساب غيره, فنشأ عن ذلك سلسلة من الحروبالطاحنة فيما بين هذه الدويلات, أدَّت إلى انتشار الفوضى والفتن, وغياب الأمنوالاستقرار.

 ومن الناحية الاجتماعية: فقد ساد في المجتمعحالة من الرفاهية والترف الزائد عن الحد إلى جانب البؤس والفقر المدقع, إذ تركزتالثروات الضخمة في أيدي القلة (الخلفاء والأمراء وذوي المناصب ومن يلوذ بهم منالخاصة والمغامرين) وانتشر الفقر والفاقة في صفوف الشعب, وتفشَّت الأمراض والمجاعاتوالأوبئة الفتَّاكة.

 ومن الناحية الفكرية: فقد كانت معظم هذه الدول المستقلة ذات طابع عقائدي ومذهبي, إذ كان لكل منها منهجها ومذهَبها الأصوليوالفقهي الخاص بها، الذي جعلته مسوغاً لدعوتها الانفصالية ومبرراً لخروجها علىسلطة الخلافة وطاعتها, كما اتخذت منه أساساً ومرتكزاً لنظام حُكمها ومسوغاًلشرعيته بعد انفصالها عن الدولة المركزية, ومن ثم فكما اعتمدت هذه الدُّويلات علىالقوة للاحتفاظ بالحكم واستخدام أساليب البطش والتَّنكيل بمعارضيها السياسيين فقداعتمد (أغلبها) على نشر مذهبها في المناطق الَّتي تحت سيطرتها وفرضه بالقوة وقمعكافة الآراء والأفكار المخالفة لذلك المذهب.

وفي كتاب "المحن" - الذيبين أيدينا - إشارات كثيرة إلى هذا الجانب, فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكرهالمؤلف (ص294) عن تعذيب الفاطميين وقتلهم لمؤذن مسجد ابن عياش بالقيروان, في السنةالتي استولوا فيها على القيروان سنة 296 هـ ؛ لأنه لم يؤذن بـ"حي على خيرالعمل" فقد ضرب هذا المؤذن بالسياط وسُلَّ (قطع) لسانه, وعُلِّق بين عينيه,وطِيفَ به على حِمَارٍ، ثم قُتِل وصُلِب.

وقد كان لتدخل السلطة في هذاالجانب أفدح النتائج وأوخم العواقب, إذ أدَّى إلى استفحال التَّعصب الفكريوالمذهبي واستحكام العداوة بين أتباع المذاهب, كما أسفر عن شيوع ظاهرة الاستبدادبالرأي وفرض الرأي والمذهب الواحد، واستبعاد ما عداه, وما ترتب عليه - لاحقًا - منإغلاق باب الاجتهاد الذي أدى إلى غياب الأصالة, وتراجع الابتكار والتجديد الفكريوالحضاري تدريجيًّا وحلَّ محلَّها التقليد والمحاكاة واجترار الماضي, فأصيب الفكروالعقل الإسلامي من جرَّاء ذلك بالشَّلل والجمود والعجز عن التجديد والإضافة.

وقد انعكست ملامح هذا العصر بشقيهالإيجابي والسلبي, على حياة أبي العرب التميمي وفكره, وعلى موضوع كتابه"المحن" أيضاً. فمن الناحية الإيجابية: كان أبو العرب التميمي أحد أبرزعلماء عصره الذين أسهموا في رفد الفكر الإسلامي بالعديد من المؤلفات والكتبالقيِّمة. ويستحسن أن نورد فيما يلي ترجمة موجزة للمؤلف:

فهو محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي أبو العرب، ينتمي إلى قبيلة بني تميم التي انتقل بعض أفرادها إلى الشمالالإفريقي مع جيوش الفتح الإسلامي وبعده، ومنهم بنو الأغلب الذين استقلوا بحكمإفريقية (تونس حاليًّا وغرب ليبيا وشرق الجزائر)، في الفترة مابين سَنَتي 184 -296هـ. وامتد سلطانهم إلى معظم جزر البحر الأبيض المتوسط المقابلة لهم ومن أبرزها صقلية.

 اشتغل أبو العرببطلب العلم، فكان شغوفاً به ومحبًّا له على عكس أقرانه من أفراد أسرته الذين تمتتنشئتهم تنشئة أبناء السلاطين والأمراء، فأخذ على أصحاب سحنون، وثابر في طلب العلمإلى أن وصل إلى مرتبة الاجتهاد والإفتاء على مذهب الإمام مالك، وصنَّف العديد من المؤلفاتوالكتب القيمة.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل المحن
محمد بن أحمد أبو العرب التميمي
محمد بن أحمد أبو العرب التميمي
Abu Al Arab Al Tamimi
محمد بن أحمد بن تميم التميمي المغربي الإفريقي، أبو العرب التميمي : مؤرخ، حافظ للحديث، من أهل القيروان بإفريقية. كان جده من أمرائها. احترف تربية أولاد العرب ونسخ الكتب، وقيل: كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب. تاريخ مولده ووفاته (251 - 333 هـ = 865 - 945 م) قال القاضي عياض: ودارت عليه محنة من الشيعي - الفاطمي - حبسه وقيده مع ابنه، مدة بسبب بني الأغلب. وهو أحد من خرج لحرب الفاطميين (بني عبيد) وحضر حصار «المهدية» مع مخلد بن كيداز ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المحن ❝ الناشرين : ❞ دار الغرب الإسلامي ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب تاريخ العالم العربي

تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام 521-630هـ PDF

قراءة و تحميل كتاب تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام 521-630هـ PDF مجانا

تاريخ موجز للفكر العربي PDF

قراءة و تحميل كتاب تاريخ موجز للفكر العربي PDF مجانا

تاريخ افتتاح الأندلس PDF

قراءة و تحميل كتاب تاريخ افتتاح الأندلس PDF مجانا

تاريخ الغزو الفكري والتعريب خلال ما بين الحربين العالميتين 1920 / 1940 PDF

قراءة و تحميل كتاب تاريخ الغزو الفكري والتعريب خلال ما بين الحربين العالميتين 1920 / 1940 PDF مجانا

تاريخ الجزائر العام PDF

قراءة و تحميل كتاب تاريخ الجزائر العام PDF مجانا

خريطة تاريخ الإنشقاق الكنسى PDF

قراءة و تحميل كتاب خريطة تاريخ الإنشقاق الكنسى PDF مجانا

هولندا والعالم العربى - منذ القرون الوسطى حتى القرن العشرين PDF

قراءة و تحميل كتاب هولندا والعالم العربى - منذ القرون الوسطى حتى القرن العشرين PDF مجانا

تاريخ الأكراد في شمال سورية الحالية قديما وحديثا PDF

قراءة و تحميل كتاب تاريخ الأكراد في شمال سورية الحالية قديما وحديثا PDF مجانا

المزيد من كتب التاريخ الإسلامي في مكتبة كتب التاريخ الإسلامي , المزيد من كتب تاريخ العالم العربي في مكتبة كتب تاريخ العالم العربي , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من كتب السير و المذكرات في مكتبة كتب السير و المذكرات , المزيد من كتب الأنساب في مكتبة كتب الأنساب , المزيد من كتب التراجم على الطبقات في مكتبة كتب التراجم على الطبقات , المزيد من كتب تاريخ العالم الغربي في مكتبة كتب تاريخ العالم الغربي , المزيد من كتب تاريخ أفريقيا في مكتبة كتب تاريخ أفريقيا , المزيد من كتب تاريخ مصر في مكتبة كتب تاريخ مصر
عرض كل كتب التاريخ ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..