كتاب التحذير من العرف الخاطئ والخداع اللفظي والتركيز على العقيدة وتأثيرها في العملكتب إسلامية

كتاب التحذير من العرف الخاطئ والخداع اللفظي والتركيز على العقيدة وتأثيرها في العمل

مقدمة هذان أصلان مهمان من الأصول العشرين، التي وضعها الإمام حسن البنا رحمه الله ورضي عنه، لتكون أساسا للفهم المشترك لمن سماهم الإخوان: الإخوان المسلمين العاملين. فهم الإخوان الصادقون ومن عداهم، فهم لا زالوا في الطريق، أو لم تصل معرفتهم أو همتهم وإرادتهم إلى هذا المستوى الرفيع في جودة الفهم واستقامة السلوك، وارتفاع الدرجة، والارتقاء إلى دور البذل والتضحية، وقد سمَّاهم مرشدهم حسن البنا باسمهم المعبر: "الاخوان المجاهدين" في المقدمة الموجزة التي كتبها لرسالة "التعاليم"، التي تتضمن عشرة أركان، أولها: ركن الفهم، ويحسن بي أن أقتبس هذه المقدمة لأضعها في هذه السطور. قال: "فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، الذين آمنوا بسمو دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها ، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات ، وهي ليست دروساً تحفظ ، ولكنها تعليمات تنفذ ؛ فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة:105)، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:153)، أما غير هؤلاء، فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة:148)، {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (النساء:95 ، الحديد:10)" اهـ وهذان الأصلان اللذان نقدمهما اليوم هما: الأصل السادس عشر، والسابع عشر، وهما اللذان قال فيهما حسن البنا هذه الكلمات: "والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية , بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة المسميات لا بالأسماء" . "والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب". ففي الأصل الأول من الأصلين، ركز الأستاذ البنا على إبقاء الحقائق الشرعية، التي رضيها الشرع للناس، ورسم لها حدودا، وحدد لها ألقاظا لها دلالتها ومفهومها، فلا يجوز فتح الباب واسعا للناس، ليتلاعبوا بها، ويغيروا ويبدلوا فيها حسب أهوائهم، فإن هذا يضلل الناس عن الحقيقة الشرعية، وما وراءها من أحكام، تحدد مواقف الناس والتزاماتهم. لهذا كان من الواجب على أهل العلم والدعوة من أهل الاختصاص، الذين يحملون المسؤولية، ويعرفوا أهمية الحفاظ على المشروعات والموروثات، وحمايتها من عبث العابثين، وتقولات المفترين، وتأويلات الكاذبين، بل تحترم هذه الألفاظ الشرعية، ويجب التأكد من حدود المعاني المقصودة بها، فلا تشطح بها يمينا وشمالا، حسب أهوائنا وأمزجتنا، أو حسب ثقافاتنا واتجاهاتنا، فهذا من أسباب الفتنة بين المؤمنين. ولهذا حذر "البنا" مما سماه "الخداع اللفظي" في كل نواحي الدنيا والدين. فإنما جعل الله اللغة لتنقل المعاني للناس واضحة جلية، لا لتصبح ألفاظها وجملها وأساليبها "لعبة" في أيدي الناس، للتمويه بها على الخلق، ولتحريفها عما وضع الناس، كما رأينا الباطنية، وبعض المغررين والمضللين، الذين أعطوا لبعض الألفاظ معاني من عند أنفسهم، غير المعاني الأصلية، وحملوها هم من المعاني ما يريدون. وبهذا بطلت مهمة اللغة وألفاظها، ما دام كل إنسان قادرا على أن يحمل الألفاظ ما يريد هو، لا ما تحمله الألفاظ بحكم دلالتها الحقيقية والمجازية، التي تقوم عليها الأدلة. وكذلك الأصل الثاني من أصلينا، وهو أن: "العقيدة أساس العمل..", فالعقيدة هي الأصل وهي الأساس وهي المنهج، والعمل هو: الفرع والبناء والنبع، ولا بد أن يبنى العمل على العقيدة، ومن لم يؤسس عمله بالعقيدة، فلا قيمة للعمل، ولهذا قال الله في شأن الكفار: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان:23) ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (النور:39). وذكر البنا هنا أن: "العمل المتفرع من العقيدة، ينقسم إلى: عمل القلب، وعمل الجارحة. وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب"، وفي أعمال القلوب قامت كتب التصوف والسلوك والأخلاق الإسلامية، وقام رجال كبار، ومدارس وجمعيات وطرق، بالتأليف والتدريس والتزكية العلمية للنفوس، وكانوا كما كان غيرهم من الناس- على تفاوت فيما بينهم، وإن لم يخرجوا عن الأمة المختارة المصطفاة- كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (فاطر:32).
يوسف القرضاوي - يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : مقدمة

هذان أصلان مهمان من الأصول العشرين، التي وضعها الإمام حسن البنا رحمه الله ورضي عنه، لتكون أساسا للفهم المشترك لمن سماهم الإخوان: الإخوان المسلمين العاملين. فهم الإخوان الصادقون ومن عداهم، فهم لا زالوا في الطريق، أو لم تصل معرفتهم أو همتهم وإرادتهم إلى هذا المستوى الرفيع في جودة الفهم واستقامة السلوك، وارتفاع الدرجة، والارتقاء إلى دور البذل والتضحية، وقد سمَّاهم مرشدهم حسن البنا باسمهم المعبر: "الاخوان المجاهدين" في المقدمة الموجزة التي كتبها لرسالة "التعاليم"، التي تتضمن عشرة أركان، أولها: ركن الفهم، ويحسن بي أن أقتبس هذه المقدمة لأضعها في هذه السطور.

قال: "فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، الذين آمنوا بسمو دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها ، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات ، وهي ليست دروساً تحفظ ، ولكنها تعليمات تنفذ ؛ فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة:105)، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:153)، أما غير هؤلاء، فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة:148)، {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (النساء:95 ، الحديد:10)" اهـ

وهذان الأصلان اللذان نقدمهما اليوم هما: الأصل السادس عشر، والسابع عشر، وهما اللذان قال فيهما حسن البنا هذه الكلمات: "والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية , بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة المسميات لا بالأسماء" .

"والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب".

ففي الأصل الأول من الأصلين، ركز الأستاذ البنا على إبقاء الحقائق الشرعية، التي رضيها الشرع للناس، ورسم لها حدودا، وحدد لها ألقاظا لها دلالتها ومفهومها، فلا يجوز فتح الباب واسعا للناس، ليتلاعبوا بها، ويغيروا ويبدلوا فيها حسب أهوائهم، فإن هذا يضلل الناس عن الحقيقة الشرعية، وما وراءها من أحكام، تحدد مواقف الناس والتزاماتهم.

لهذا كان من الواجب على أهل العلم والدعوة من أهل الاختصاص، الذين يحملون المسؤولية، ويعرفوا أهمية الحفاظ على المشروعات والموروثات، وحمايتها من عبث العابثين، وتقولات المفترين، وتأويلات الكاذبين، بل تحترم هذه الألفاظ الشرعية، ويجب التأكد من حدود المعاني المقصودة بها، فلا تشطح بها يمينا وشمالا، حسب أهوائنا وأمزجتنا، أو حسب ثقافاتنا واتجاهاتنا، فهذا من أسباب الفتنة بين المؤمنين.

ولهذا حذر "البنا" مما سماه "الخداع اللفظي" في كل نواحي الدنيا والدين. فإنما جعل الله اللغة لتنقل المعاني للناس واضحة جلية، لا لتصبح ألفاظها وجملها وأساليبها "لعبة" في أيدي الناس، للتمويه بها على الخلق، ولتحريفها عما وضع الناس، كما رأينا الباطنية، وبعض المغررين والمضللين، الذين أعطوا لبعض الألفاظ معاني من عند أنفسهم، غير المعاني الأصلية، وحملوها هم من المعاني ما يريدون.

وبهذا بطلت مهمة اللغة وألفاظها، ما دام كل إنسان قادرا على أن يحمل الألفاظ ما يريد هو، لا ما تحمله الألفاظ بحكم دلالتها الحقيقية والمجازية، التي تقوم عليها الأدلة.

وكذلك الأصل الثاني من أصلينا، وهو أن: "العقيدة أساس العمل..", فالعقيدة هي الأصل وهي الأساس وهي المنهج، والعمل هو: الفرع والبناء والنبع، ولا بد أن يبنى العمل على العقيدة، ومن لم يؤسس عمله بالعقيدة، فلا قيمة للعمل، ولهذا قال الله في شأن الكفار: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان:23) ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (النور:39).

وذكر البنا هنا أن: "العمل المتفرع من العقيدة، ينقسم إلى: عمل القلب، وعمل الجارحة. وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب"، وفي أعمال القلوب قامت كتب التصوف والسلوك والأخلاق الإسلامية، وقام رجال كبار، ومدارس وجمعيات وطرق، بالتأليف والتدريس والتزكية العلمية للنفوس، وكانوا كما كان غيرهم من الناس- على تفاوت فيما بينهم، وإن لم يخرجوا عن الأمة المختارة المصطفاة- كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (فاطر:32).


للكاتب/المؤلف : يوسف القرضاوي .
دار النشر : مكتبة وهبة .
سنة النشر : 2013م / 1434هـ .
عدد مرات التحميل : 664 مرّة / مرات.
تم اضافته في : السبت , 1 أكتوبر 2022م.

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

مقدمة

الحمد لله وكفى، وسلام على رسله الذين اصطفى، وعلى خاتمهم المجتبى، محمد وآله وصحبه مصابيح الدجى، ومن بهم اقتدى فاهتدى. (أما بعد)

فهذان أصلان مهمان من الأصول العشرين، التي وضعها الإمام حسن البنا رحمه الله ورضي عنه، لتكون أساسا للفهم المشترك لمن سماهم الإخوان: الإخوان المسلمين العاملين. فهم الإخوان الصادقون ومن عداهم، فهم لا زالوا في الطريق، أو لم تصل معرفتهم أو همتهم وإرادتهم إلى هذا المستوى الرفيع في جودة الفهم واستقامة السلوك، وارتفاع الدرجة، والارتقاء إلى دور البذل والتضحية، وقد سمَّاهم مرشدهم حسن البنا باسمهم المعبر: "الاخوان المجاهدين" في المقدمة الموجزة التي كتبها لرسالة "التعاليم"، التي تتضمن عشرة أركان، أولها: ركن الفهم، ويحسن بي أن أقتبس هذه المقدمة لأضعها في هذه السطور.

قال: "فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، الذين آمنوا بسمو دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها ، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات ، وهي ليست دروساً تحفظ ، ولكنها تعليمات تنفذ ؛ فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة:105)، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:153)، أما غير هؤلاء، فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة:148)، {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (النساء:95 ، الحديد:10)" اهـ

وهذان الأصلان اللذان نقدمهما اليوم هما: الأصل السادس عشر، والسابع عشر، وهما اللذان قال فيهما حسن البنا هذه الكلمات: "والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية , بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين،  فالعبرة المسميات لا بالأسماء" .

"والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب".

ففي الأصل الأول من الأصلين، ركز الأستاذ البنا على إبقاء الحقائق الشرعية، التي رضيها الشرع للناس، ورسم لها حدودا، وحدد لها ألقاظا لها دلالتها ومفهومها، فلا يجوز فتح الباب واسعا للناس، ليتلاعبوا بها، ويغيروا ويبدلوا فيها حسب أهوائهم، فإن هذا يضلل الناس عن الحقيقة الشرعية، وما وراءها من أحكام، تحدد مواقف الناس والتزاماتهم.

لهذا كان من الواجب على أهل العلم والدعوة من أهل الاختصاص، الذين يحملون المسؤولية، ويعرفوا أهمية الحفاظ على المشروعات والموروثات، وحمايتها من عبث العابثين، وتقولات المفترين، وتأويلات الكاذبين، بل تحترم هذه الألفاظ الشرعية، ويجب التأكد من حدود المعاني المقصودة بها، فلا تشطح بها يمينا وشمالا، حسب أهوائنا وأمزجتنا، أو حسب ثقافاتنا واتجاهاتنا، فهذا من أسباب الفتنة بين المؤمنين.

ولهذا حذر "البنا" مما سماه "الخداع اللفظي" في كل نواحي الدنيا والدين. فإنما جعل الله اللغة لتنقل المعاني للناس واضحة جلية، لا لتصبح ألفاظها وجملها وأساليبها "لعبة" في أيدي الناس، للتمويه بها على الخلق، ولتحريفها عما وضع الناس، كما رأينا  الباطنية، وبعض المغررين والمضللين، الذين أعطوا لبعض الألفاظ معاني من عند أنفسهم، غير المعاني الأصلية، وحملوها هم من المعاني ما يريدون.

وبهذا بطلت مهمة اللغة وألفاظها، ما دام كل إنسان قادرا على أن يحمل الألفاظ ما يريد هو، لا ما تحمله الألفاظ بحكم دلالتها الحقيقية والمجازية، التي تقوم عليها الأدلة.

وكذلك الأصل الثاني من أصلينا، وهو أن: "العقيدة أساس العمل..", فالعقيدة هي الأصل وهي الأساس وهي المنهج، والعمل هو: الفرع والبناء والنبع، ولا بد أن يبنى العمل على العقيدة، ومن لم يؤسس عمله بالعقيدة، فلا قيمة للعمل، ولهذا قال الله في شأن الكفار: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان:23) ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (النور:39).

وذكر البنا هنا أن: "العمل المتفرع من العقيدة، ينقسم إلى: عمل القلب، وعمل الجارحة. وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب"، وفي أعمال القلوب قامت كتب التصوف والسلوك والأخلاق الإسلامية، وقام رجال كبار، ومدارس وجمعيات وطرق، بالتأليف والتدريس والتزكية العلمية للنفوس، وكانوا كما كان غيرهم من الناس- على تفاوت فيما بينهم، وإن لم يخرجوا عن الأمة المختارة المصطفاة- كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (فاطر:32).

أقدم بهذه الكلمات هذين الأصلين من أصول الإمام البنا العشرين، لعلنا نحسن فهمهما، ويحسن العمل بهما، ويحسن الدعوة إليهما، ونضمهما إلى المجموعة الفكرية، التي تكونها، لتكون زادنا إلى الحق والخير في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل التحذير من العرف الخاطئ والخداع اللفظي والتركيز على العقيدة وتأثيرها في العمل
يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي
Yousef Al Qaradawi
يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب إسلامية متنوعة

لب المذكور في علاج المعيون والمحسود والمسحور PDF

قراءة و تحميل كتاب لب المذكور في علاج المعيون والمحسود والمسحور PDF مجانا

أصول العمل الخيري في الإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب أصول العمل الخيري في الإسلام PDF مجانا

الوقت في حياة المسلم PDF

قراءة و تحميل كتاب الوقت في حياة المسلم PDF مجانا

رعاية البيئة في شريعة الإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب رعاية البيئة في شريعة الإسلام PDF مجانا

الناس والحق PDF

قراءة و تحميل كتاب الناس والحق PDF مجانا

التوبة إلى الله PDF

قراءة و تحميل كتاب التوبة إلى الله PDF مجانا

شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان PDF

قراءة و تحميل كتاب شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان PDF مجانا

شمول الإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب شمول الإسلام PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..